تعتبر ليلة القدر أفضل الليالي على الإطلاق، حيث أنزل الله فيها القرآن الكريم، وقد وصفها الله تعالى بأنها «لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍۢ» (القدر - 3)، لكن هل من الممكن أن يكون هناك ليلة أفضل منها؟.. الإجابة نعم.
يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنبِّئُكم بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدرِ ؟ حارسُ حرسٍ في أرضِ خوفٍ ، لعله أن لا يرجعَ إلى أهلِه »، ومعنى (حارِسٌ حَرَسَ في أرضِ خوفٍ)، أي أنه الرباط في سبيل الله، وهي الأماكن التي يقف عليها الحراس والتي تلازم حدود بلاد المسلمين مع أعدائهم، وهذا بالتأكيد من أعظم الأعمال إلى الله عز وجل، ومعنى أنها أرض خوف، أن الحارس في سبيل الله يكون في أرض فيها خوف على الحياة بسبب العدو، أو أنها أرض ثغور، يكون فيها حارسًا، وهناك ما يتهدده، وبالتالي فهو في رباط الله عز وجل، لأنه يقوم بأعظم الأعمال إلى الله تعالى.
فضل الرباط
الله عز وجل تفضل على عباده بأعمال وقربات لزيادة الأجر واغتنام الثواب منه سبحانَه، ليتحرى المؤمنون أعمالًا متنوعةً، فمن فاته شيء أدرك غيره، ومن ذلك الرباط في سبيل الله، والمحافظة على بلاد الإسلام، فهو من أعظم الأعمال التي يستمر ثوابها، فلعل هذا الحارس لا يعود إلى أهله، ويموت في سبيل الله عز وجل، فالحارس في حراسته هذه لا يضمن أن ينجو بحياته، ويرجع إلى أهله مرة أخرى، وذلك أنه قد يقتل في سبيل الله عز وجل، وهذه مرتبة المجاهدين في العبادة، وهي تشمل الحج، وطلب العلم، والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من العبادات والمجاهدات للنفس.
لذلك فإن تفضيل ليلة الحراسة في سبيل الله عز وجل، على ليلة القدر، ذلك أن ليلة القدر يعود نفعها على صاحبها، وليلة الحراسة يعود نفعها إلى سائر المسلمين، وهذا أفضل، ولأن ليلة الحراسة توجب الجنة، كما في رواية أبي داود رضي الله عنه، وفيها قال النبي الأكرم صلى اللهُ عليه وسلم لأنس بن أبي مرثد الغنوي بعد أن بات حارسًا لهم: «قدْ أَوجبتَ؛ فلا عليك أنْ لا تَعمَلَ بعدَها»، أي: عملت عملًا يوجب لك الجنة.
اقرأ أيضا:
في العيد.. هل صالحت من خاصمته؟الأدلة من القرآن
أيضًا فقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تبين فضل الرباط في سبيل الله، قال تعالى: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (آل عمران: 200)، وقد فسر العلماء معنى المرابطة في الآية الكريمة بأنها حفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين، ومن ثم فإن الرباط من أفضل الأعمال، إذ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللّه خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا».