الصحابية الجليلة أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ابنة عم النبي -عليه السلام- هي فاختة بنت أبي طالب بن عبدالمطلب أخ عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أمّه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن مخزوم، وقيل إنّ اسم أم هانئ كان هند، أو فاطمة، أو جمانة وقد كنيت باسم ابنها هانئ،
وكان للصحابية الجليلة رضي الله عنها- أربعة أخوة وهم: طالب الذي لم يُسلم ومات كافراً، وعقيل بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم.
وقد اعتنقت ام هانئ ابنة عم الرسول -عليه السلام- عام الفتح، حسب أدق وقد روت العديد من الأحاديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكان ممّن روى عنها حفيدها يحيى بن جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكُريب مولى ابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة، ومجاهد، وعطاء وغيرهم، وتجدر الإشارة إلى أنّه كان لها -رضي الله عنها- أربعة من الأبناء وهم: عمرو، وهانئ، ويوسف، وجعدة من زوجها هُبيرة بن عائذ المخزومي، الذي رفض اعتناق الإسلام يوم الفتح، وقرّرالهروب إلى نجوان، وأقام فيها حتى مات مشركاً،
وكان زوج ام هانئ قد بلغه خبر إسلام زوجته أم هانئ -رضي الله عنها- فقال أبياتاً من الشعر عنها ومن ذلك قوله: "فإن كنت قد تابعت دين محمد وقطعت الأرحام منك حبالها، فكوني على أعلى سحيق بهضبة ململة غبراء يبس بلالها".
وقد ارتبطت حياة الصحابية الجليلة رغم اعتناقها الإسلام متأخرا بعديد من المواقف في مقدمتها إجارة أم هانئ لرجلين من المشركين: عندما كان يوم الفتح وقع اشتباك بين سرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ومجموعة من المشركين هرب منها رجلان من بني مخزوم ولم يكن لهما حينئذ من ملجأ يأويان إليه سوى بيت أم هانئ -رضي الله عنها- لصلة قرابة تجمعهما بزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، فاضطرّا لطلب إجارتها؛ فأجارتهما رغم أنّ طلب الإجارة من إمرأة كان أمراً مُشيناً عند العرب،
ومن المثير اللافت في حياة الصحابية الجليلة تربص علي بن أبي طالب -رضي الله عنها- شقيقها - بالرجلين اللذين اجارتهما بغية قتلهما وقد أصرّ على ذلك، لكنّ أم هانئ -رضي الله عنها- حالت من وصوله إليهما وأشارت عليه بالذهاب لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعرض الأمر عليه والفصل فيه فوافقها على ذلك،
وكانت مبادرة الصحابية الجليلة -رضي الله عنها- بعرض الأمر على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بقولها: يا رَسولَ اللَّهِ "زَعَمَ ابنُ أُمِّي عَلِيٌّ أنَّه قَاتِلٌ رَجُلًا قدْ أجَرْتُهُ فُلَانُ بنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قدْ أجَرْنَا مَن أجَرْتِ يا أُمَّ هَانِئٍ).[
رفض الرسول قبول مسلك سيدنا علي يُثبت قيمة المرأة في الإسلام ومكانتها العظيمة؛ فقد قَبِل رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- إجارة أم هانئ -رضي الله عنها- للرجلين ولم يُقلّل من شأن ذلك
ومن المثير حقا في مسيرة هذه الصحابية الجليلة أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أدي صلاة فتح مكة في بيت أم هانئ - رضي الله عنها-، فبعد أنْ فتح المسلمون مكة نزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أم هانئ -رضي الله عنها- واغتسل في بيتها ثمّ صلّى ثمان ركعات، وكانت -رضي الله عنها- قد وصفت صلاته - صلّى الله عليه وسلّم- بقولها: (أنَّه يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ في بَيْتِها، ثُمَّ صَلَّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ، قالَتْ: لَمْ أرَهُ صَلَّى صَلاةً أخَفَّ مِنْها غيرَ أنَّه يُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ)، وبقولها: (ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، لا أدْرِي أقِيَامُهُ فِيهَا أطْوَلُ، أمْ رُكُوعُهُ، أمْ سُجُودُهُ، كُلُّ ذلكَ منه مُتَقَارِبٌ، قالَتْ: فَلَمْ أرَهُ سَبَّحَهَا قَبْلُ ولَا بَعْدُ)،
وقد ذكر ابن القيم-رحمه الله- أنّ الصلاة التي قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بتأديتها في بيت أم هانئ -رضي الله عنها- كانت صلاة الفتح، وقد حافظ الصحابة -رضوان الله عليهم- على تأدية صلاة الفتح عقب فتح الحصون أو البلدان اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاوذكر بعض كتاب السير أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد تقدم لخطبة أم هانئ - رضي الله عنها- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِساءُ قُرَيْشٍ- وقالَ الآخَرُ: صالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ- أحْناهُ علَى ولَدٍ في صِغَرِهِ، وأَرْعاهُ علَى زَوْجٍ في ذاتِ يَدِهِ)،
وقيل كذلك أنه لما خطب ابنة عمه الصحابية الجليلة أم هانئ بنت أبي طالب مرتين ، مرة في الجاهلية، فاعتذر له أبوها ، ومرة في الإسلام، فاعتذرت عن نفسها بكبر سنها، وبأنها ذات عيال
وكذلك روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَطَبَ أُمَّ هَانِئٍ، بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، وَلِي عِيَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبلِ ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ "
قال العراقي رحمه الله: اعتذرت أُمِّ هَانِئٍ لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِبَرِ سِنِّهَا ، وَبِأَنَّهَا ذَاتُ عِيَالٍ، فَرَفَقَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِتَزَوُّجِ كَبِيرَةِ السِّنِّ ، وَلَا بِمُخَالَطَةِ عِيَالِهَا، ... وَلَوْ كَانَ غَيْرُهَا لَآثَرَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ مُعْرِضًا عَنْ مَصْلَحَةِ الزَّوْجِ وَالْعِيَالِ
وبعد عمر مديد جاءت وفاة أم هانئ رضي الله عنها عام خمسين من الهجرة وقد شهدت حياتها مواقف مختلفة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سبق الإشارة إلى بعضها، كما كان لها رواية للحديث، رضي الله عنها وأرضاها