يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»، ترتيب محكم ويبدو للوهلة الأولى أنه غريب، فالترتيب يجب أن يبدأ من الأعلى والأكثر قسوة ثم يجب أن ينتهى بالأقل، فهل يسبق الخوف الموت ؟.
إذا تدبرنا في ترتيب الآية الكريمة، سنجدها ذكرت الخوف أول الابتلاءات، ثم الجوع ، ثم نقص الأموال ثم نقص الأنفس واختتمتها بنقص الثمرات، أي أن الخوف هو أول الابتلاءات وأشدها قسوة على النفس!، فالخوف أشد وطأة من كل ما جاء بعده وتبعه في الآية الكريمة.
لماذا الخوف؟
لكن لماذا الخوف أشد وطأة؟، لأننا نخاف من الجوع حتى نجوع، ونخاف من ضياع المال حتى قبل أن يضيع، ونخاف من الموت وفقد الحبيب حتى وهو بجوارنا، ثم يختم الله عز وجل الآية ببشرى للصابرين وكأن كل ما سبق يستوجب الصبر ، وكيف لا وكل ما سبق يصفه القرآن الكريم في الآية اللاحقة أنه " مصيبة ".. إذن الخوف أول الابتلاءات وأول المصائب وأول موجبات الصبر ويسبق فى ذلك الموت وفقدان المال وفقدان الثمرات.
والخوف يعني الفزع والتوقع من أي شيء قادم قد يكون مخيفًا، أو الخوف من القتال يقول تعالى: «ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بشيءٍ من الخَوْفِ» (البقرة: 155)، وقال أيضًا: «فإذا جاءَ الخَوْفُ» (الأحزاب 19)، كما يعني الخوف (العِلْم)، ومن هذا المعنى قوله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً» (النساء: 128)، كما قال تعالى: «فَمَن خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً» (البقرة: 182).
اقرأ أيضا:
أفضل ما تصلح به قلبك وتطهره.. عبادة تؤجر بها وترفع بها قدركالخوف من الأيام
أيضًا هناك الخوف من الأيام، فترى البعض يردد جملة (أخشى الأيام المقبلة ماذا تخبىء؟)، والمؤمن لا يجوز له أن يكون هناك خوف من الغد، إنما الخوف الحقيقي يكون من الله؛ فقد قال: «وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (آل عمران: 175)، فالمؤمن حاله دائمًا خير، سواء في الخير أو في غيره.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
فقط عليه أن يترك أمره كله لله، متوكلا عليه، موقنًا في أنه لن يخذله أبدًا، فالمؤمن لا ييأس من رحمة الله وفرجه مهما ضاقت عليه السبل وتقطعت به الأسباب، قال تعالى: «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ» (الحجر:56)، وهذا لا يمكن له أبدًا أن يعرف الخوف طريقه.