تتفاوت اعتقادات الناس تجاه اليقين الذين ينظرون إليه بحسب ما يؤمنون، وبحسب ما ينظرون في مصالحهم، فبعضهم لا ينظر إلى اليقين إلا بما في يديه من المال والسلطة، والقوة، وبعضهم ينظر إلى اليقين بحسب ما يعيشه من واقعه الحالي فقط، فكل غيب بالنسبة له لا يوجد في حساباته، فهو لا ينظر إلا لحاله الواقع فقط، وبعضهم ينظر لليقين على أنه العلم الدنيوي من حسابات فلكية ومعادلات رياضية ورؤى معملية مجربة عن طريق آلات صماء لا تعترف إلا بالأرقام التي أمامها.
إلا أن اليقين الحقيقي يختلف اختلافا كليا عن كل معتقدات البشر، فهو يأتي فجأة، ويخضع فقط لإرادة الله عز وجل، ولا يعرف قدره أصحاب الهوى إلا بعدما يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون، قال ابن سعدي " اليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل ".,
وحينما يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
فاليقين هنا هو الموت، وهي الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير، ولا تتأجل، ولا تخضع لأي تفاسير علمية، ولا يعرف سرها البشر، فاليقين هو سنة الله في كونه، وسلطانه على كل شيئ في ملكوته عز وجل، وحقه على عباده ومخلوقاته من التعبد له والتذلل بين يديه.
لذلك يقول الله عز وجل في سورة التكاثر: " كلا لو تعلمون علم اليقين": وعلم اليقين هو العلم الجازم المطابق للواقع الذي لا شك فيه، والمراد: حقا لو تعلمون علم الحق، وتدركونه على وجه الصحيح لما ألهاكم ما ألهاكم، ولعرفتم الله حق معرفته وعبدتموه حق عبادته.
ويقول في نفس السورة (ثم لترونها عين اليقين): وهذا تأكيد قوي من الله تبارك وتعالى. والمراد: ثم لترون الجحيم رؤية هي ذات اليقين ونفسه وعينه، وخلاصة المعنى: ارتدعوا عن غروركم بأنفسكم فإنكم لو تعلمون يقينًا سوء مصيركم، وعاقبة أمركم وما يفضي إليه حالكم لفزعتم من تكاثركم ولشغلكم هذا عن افتخاركم بأموالكم وأولادكم، وتزودتم بالعمل الصالح لآخرتكم ومآلكم.
وفي قوله تعالى من سورة الحجر: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"دعوةٌ صريحةٌ منَ الله تعالى لعبده المؤمن، إلى ضرورة المداوَمة على العبادة، حتى يَلقَى ربَّه، فاليقينُ في الآية هو الموت.
اظهار أخبار متعلقة
ماهو اليقين؟
يقول بعض العلماء إن تعريف اليقين هو ظهور الشيء للقلب بحيث يصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلا وهذا نهاية الإيمان وهو مقام الإحسان ".
واليقين أرقى درجات الإيمان بالله وأنه صاحب الجبروت والملكوت والمتصرف في كونه لا ينازعه في ذلك شيئ، قال تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة لقمان : 4-5
واليقين ثلاثة أنواع: يقين خبر ، ويقين دلالة ، ويقين مشاهدة .
من هم أهل اليقين؟
1- وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل اليقين بأنهم من الذين يهون عليهم مصائب الدنيا، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو: "اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا ، اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِى دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا" أَخْرَجَهُ الترمذي.
فهوان المصيبة، بالنسبة للبشر، يتفاوت على حسب تفاوت اليقين في القلوب ، فأعظم الناس صبرا ، هو أعظمهم يقينا ، وكلما ترقى العبد في مراتب اليقين ترقى في مراتب الصبر ، كما قال تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) .
2- أهل اليقين هم أكثر الناس اطمئنانا في الدنيا لحالهم ومآلهم و ثقة بموعود الله فيهم.
3- أهل اليقين هم أهل التوكل على الله وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في اليقين باستشعار معية الله، حين قال لصاحبه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد أحدقت بهم الأخطار "ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا " .
وقال موسى ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ).
4- أهل اليقين هم أهل الخير المنفقين في السراء والضراء والذين يعلمون أن االله هو الرزاق المتينن وأن في السماء رزقهم وما يوعدون، قال سبحانه وتعالى في سورة الذاريات : ( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) .