القرآن الكريم هو كلام الله جل وعلا، المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل، والقرآن هو كلام الله الذي نتعبد بتلاوته في الصلاة ورمضان هو شهر القرآن، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهدى﴾ [البقرة:185]، والقرآن بركة علينا إذا تمسكنا به، يكفي لمن قرأ القرآن وأصبح متقنًا له، أنه مع السفرة الكرام البررة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به فهو مع السَفرة الكرام البررة، ومثل الذى يقرأ القرآن وهو عليه شاق فله أجران».
هجر القرآن:
من جانبه ، يبين د. محمود عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف أن علينا أن نأخذ من هذا الشهر العظيم المبارك فرصة عظيمة للإقبال على كتاب الله، وحتى لا يشكونا القرآن غدًا بين يدي الله ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]، فإن كثيرًا من الناس قد هجر القرآن، فهل من عودة إلى كتاب الله؟! والله لن تقوم لنا قائمة إلا بكتاب الله، أن نتمسك بالقرآن قراءة وحفظًا وخشوعًا وتدبرًا وعملاً بما فيه، وتحاكمًا إليه، فالقرآن الكريم هو الكتاب الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).فهيا بنا لنستغل هذه الفرصة وهذه الأيام المباركة في الإقبال على كلام الله.
ويضيف في كتابه الماتع "رمضان فرصتك" أن هجر القرآن أنواع فبعض الناس يهجر القرآن تلاوة، وبعض الناس يهجر القرآن تحكيمًا وتحاكماً، وبعض الناس يهجر القرآن استشفاء، إلى غير ذلك من أنواع الهجر. لأن هجر القرآن له معاني كثيرة كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم.
وينصح د. "عبد العزيز" المسلمين لا سيما الشباب أن يقبلوا على تلاوة القرآن في رمضان قائلا إذا هجرت القرآن كثيرًا، ومصحفك الآن يعلوه التراب، إذا كان لديك مصحف يعلوه التراب وأنت تتركه من رمضان إلى رمضان، فها هو رمضان قد أقبل، ويكفي أن تعلم قول المصطفى (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فلا تحرم نفسك، هيا انفض التراب عن كتاب الله، وابدأ من الآن بورد ثابت من كتاب الله، ويكفي أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه يقول القرآن: يا ربي منعته النوم بالليل، فشفعني فيه. ويقول الصيام: يا ربي منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار فشفعني فيه، فيأذن الله جل وعلا للقرآن وللصيام أن يشفعا».
آداب تلاوة القرآن:
ويوضح أستاذ الفقه المقارن أن لتلاوة القرآن آدابًا أثناء التلاوة، ومن أعظم هذه الآداب أن يقرأ المسلم وهو على طهارة، قال تعالى ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة:79]، فيستحب لك أن تكون على وضوء، وأن تستقبل القبلة إذا كان هذا متاحا، ثم تبدأ في قراءة القرآن بخشوع، وتدبر، وتأمل، فالله جل وعلا يقول: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها﴾ [محمد:24]، والله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر:17]، مشيرا إلى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يقرأ القرآن ويكرر بعض الآيات، كما حدث ذلك مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ظل ليلة بأكملها يقرأ قول الله جل وعلا ويردده ويكرره: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور، فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر:8-10]، فيبكي عمر ويمرض ويبقى في بيته يعوده الناس ما به من شيء إلا أنه قرأ القرآن وتفاعل مع القرآن.
فضل قراءة القرآن في البيوت:
ويلفت إلى أن القرآن هو رسالة الله إلينا، فلنقرأ بتدبر وبخشوع، والقرآن حينما يكون في صدرك فهو بركة عليك، وحينما تقرأه في بيتك فهو بركة على أهل بيتك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره ويقل شره ويتسع على أهله، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره ويكثر شره ويضيق على أهله)، فلا تحرموا أنفسكم، واستغلوا هذه الفرص، استغلوا هذه الروحانيات العالية في شهر رمضان المبارك، والنبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا منزلة قارئ القرآن فيقول: «يقال يوم القيامة لقارئ القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية كنت تقرؤها».
فلماذا الحرمان من الخير إذًا! إن من توفيق الله لك أن تكون كالحال المرتحل، كلما ختمت ختمة للقرآن الكريم كلما ارتحلت مرة أخرى في ختمة أخرى، فلا تحرم نفسك. وكان الإمام الشافعي رحمه الله، له في رمضان ستين ختمة.
وكان الإمام مالك رحمه الله: (إذا دخل شهر رمضان أغلق كتابه الموطأ وانفض عن طلبة العلم وقال: هذا هو شهر القرآن ويقبل على قراءة القرآن من المصحف).
وهؤلاء هم الصحابة رضي الله عنهم، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه الرجل الذي كتب المصحف بيديه، من الذين كتبوا الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ القرآن كله في ركعة الوتر! يبدأ في ليل الشتاء الطويل يبدأ بقراءة القرآن الكريم فيختم القرآن في ركعة واحدة، فلا تسأل عن طولها وعن حُسنها وخشوعها، فإذا مر بآية فيها سؤال، سأل الله جل وعلا من فضله، وإذا مر بآية فيها عذاب، استعاذ بالله جل وعلا، والله تعالى يقول: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل:4].
يثني الله جل وعلا على أهل القرآن فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر:29]، فالله تبارك وتعالى أثنى على أهل القرآن ولما لا؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للَّهِ أَهلينَ منَ النَّاسِ. قيلَ: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته».