روى الصحابي أبو هريرة - رضي الله عنه – قال: «كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعدكم قميصه.
فقلنا ما لك يا رسول الله؟ فقال أما تسمعون ما أسمع؟ فقلنا وما ذاك يا نبي الله؟ قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هيّن، قلنا فيم ذاك؟
قال: كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة.
فدعا بجريدتين من جرائد النخل فجعل في كل قبر واحدة.. قلنا وهل ينفعهم ذلك؟ قال نعم يخفف عنهما ما داما رطبتين» .
فوائد:
-قال الحافظ المنذري: قوله «في ذنب هين» أي هين عندهما وفي ظنهما.. لا أنه هين في نفس الأمر، فقد جاء في حديث ابن عباس قوله - صلى الله عليه وسلم - «بلى إنه كبير».
- قال: وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله تعالى. انتهى. أو يقال: أراد - صلى الله عليه وسلم - أنه هين تركه والتحرز منه.
- قال الإمام ابن القيم في كتابه الروح: «قد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول».. فهذا ترك الطهارة الواجبة. وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقا.
- يقول: وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان أعظم عذابا.
كما أن في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهو أشد عذابا.
- وقد أبدى بعض أهل العلم نكتة ذلك وهي مما يكتب بالذهب على صفحات القلوب، وذلك أن أول ما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة ويقضي فيه الحق جل جلاله الصلاة والدماء.
والطهارة أقوى شروط الصلاة ومقدمتها، فإذا لم يتنزه من البول ولم يستبرئ منه فقد فرط في شرط الصلاة.
وسبب وقوع الناس في سفك الدماء وإراقتها بغير حق العداوة، ومقدمتها النميمة، فإنها سبب العداوة، وعذاب القبر مقدمة عذاب النار، فناسب أن يبدأ بالمقدمات أولا.. فانظر هذه المناسبة وتأملها تجدها في غاية المطابقة جزاء وفاقا.