يبين د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن شريعة الإسلام اهتمت بحال الضعفاء وعظّمت قيمتهم وطاقتهم -فليسوا طاقات مهمّشة، ولا أُناس مهمَلين-، كما عظَّمَت ثواب الذي يعين ضعيفًا من هؤلاء، ولا ينتظر ثوابًا من البشر، بقدر ما تكون نيته وغايته نيل رضا الله تعالى، ومعاملته بالمثل في الآخرة؛ لا سيّما وهي دار الضعف، ولا يقوى فيها إلا من قوّاه الله تعالى، وثبّته وأيّده ووفقه لجنته ورضوانه.
وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» [صحيح البخاري (3/ 128)]. إنّه دين الإسلام الذي يربي في النفوس حب الآخرين والوقوف بجوارهم، والعمل على معونتهم ورفع البأساء والظلم عنهم.
عظمة الضعفاء في الإسلام :
وأوضح د. هندي أن من بارعة وعظمة الإسلام في التعامل مع الضعفاء أنه يكون سببا للخير والبركة التي لا تحل إلا بسبب مراعاتهم والقيام بقضاء حوائجهم، ففي الحديث الصحيح: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» [صحيح البخاري (4/ 37)]. فمن أرْضَاهم وعمِل على خدمتهم ورفع الحرج والظلم عنهم رزقه الله وأعانه ونصره وأيّده في الدنيا قبل الآخرة. وبالضعفاء تنتصر الأمّة.
ومن هذا كما يقول " هندي" أن تعظيم شأن القائم منهم على بناء وطنه وأمّته، وفي كل جانب من جوانب حياة الضعفاء تلحظ دروًا بارزًا لهم في بناء الأوطان والبلدان، فذوو الاحتياجات الخاصّة والضعفاء بناة للأُمّة، وليسوا عبئًا على الأُمّة؛ بل كان لهم دور عبر التاريخ وتمّ توظيف طاقتهم الخادمة للدين والدنيا.
نماذج رائعة للعطاء:
ومن النماذج الرائعة للعطاء رغم ضعفهم ما يلي: عبدالله بن مكتوم ودوره في القادسية ونصرة الإسلام.
المرأة السوداء التي كانت تقمّ المسجد وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنّة.
والمرأة الطبيبة المجاهدة رُفَيْدَة التي كانت تطب المصابين في غزوة الأحزاب وغيرها.
الرجُل الأعرج عمرو بن الجموح، ويريد نصرة الدين بعرجته، ويريد الجنّة بعرجته، وتتحقق أمنيته فيدخل الجنّة وهو الضعيف الأعرج. وأحرج الأصحّاء بحركته... فلا نامت أعين الجبناء!.
الشيخ محمد رفعت وكان قائدًا عظيمًا في قراءة القرآن وأسلم على يديه أناس بقراءته للقرآن وكان رجلاً كفيفًا أعمى. وكذا الشيخ كشك رحمه الله تعالى.
ويستطرد أنّ رحمة الله قريبٌ من المحسِن إليهم، فرسولنا علّمنا كيف تكون خدمتهم وقضاء حوائجهم، كما كان يصنع مع الجارية ويحمل لها حاجتها، -وهو مَن هُو - لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل بنفسه، بل وشجّع غيره وعظّم ثواب من خدم وقضى حوائج الضعفاء فقال عليه الصلاة والسلام: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ» [صحيح البخاري (7/ 62)].
ويشير إلى أن الضعفاء ليسوا عِبْئًا على أُسَرِهِم وأَهْلِيهم، بل لأهليهم الثواب الكبير إذا صبروا وتحمّلوا وخدموا وعالُوهم بخير معونةٍ وأشرف خدمةٍ، ففي باب البلاء بضعف الضعيف يكتب الثواب لمن ابتلي بذلك: وقد ورد عن البخاري في الصحيح: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». فعلى الإنسان إذا ابتلي بشيء من ذلك أن يتحمّل ويصبر ويتقبل الأمور برضا بقضاء الله وقدره. "وبشر الصابرين". وفي الثواب للأهل: فليعلم كل مبتلى بضعيف من هؤلاء أنّهم منحة ونعمة من الله تعالى، لا تعرف قيمتها إلا إذا فقدتها، وبسببهم تكثر البركة في بيتك ومالك وأهلك، وتجد المعونة من الله تعالى.
حرّمَ الإسلام السخرية من شأن الضُّعفاء (امرأة أو طفلاً أو عاجزًا في مرض، أو فقيرًا ......) فلهم مشاعر وأحاسيس يجب أن تحترم كباقي الناس، لا سيّما ذوي الاحتياجات الخاصّة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الحجرات: 11]، ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» صحيح مسلم (4/ 1986). والمسلم صاحب أدب راقٍ لا يعتدي باللفظ ولا بالفعل على الآخرين، لا سيّما من اشتد به الضعف والفاقة والحاجة. ومن رأى ضعيفًا أو مبتلى فليتعلّم من سيد النّاس وهو يقول إذا رأى مبتلى، فكما عند الترمذي وقال عنه الألباني: "حسن" «مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ». وما ذاك إلا إيمانًا من المسلم بأنّ دوام الحال من المُحال، فالفقير قد يكون غنيًّا يومًا والعكس، والمريض قد يكون صحيحًا والعكس، والأيّام دُول، فالحذر الحذر.
وإذا كما نعتني بالضعفاء في كل الأوقات ففي مواسم الطاعة الأيام الفاضلة مثل رمضان يكون الاهتمام أكبر لشدة حاجتهم للرعاية وهو من باب الإحسان لهم والبر بهم.