شرع الله عز وجل المسح على الخفين والجبيرة، ولكن بشروط يجهلها أغلب الناس، خاصة وأن البعض يتساهل في المسح على الجورب، رغم ما به من رائحة قد تؤذي المصلين في المسجد، وما به من قاذورات ربما تتعلق به نتيجة ارتدائه لفترة طويلة، وعدم خلعه، الأمر الذي يؤدي إلى روائح كريهة لا يجوز معها المسح على الجورب والخفين.
ويضطرُّ البعض إلى لُبس الخفّ وهو ما يُسمَّى بالجورب، أو "الشراب"، ويصعُب عليه خلعها عند الوضوء، في بعض الأوقات، فجاز له أن يَمْسح على الخفِّ والجوارب مدَّةَ يوم وليلة للمُقيم، وثلاثة أيَّام بلياليها للمسافر.
لكن هناك شروطًا للمسح على الخفين أو "الشراب" يجهلها أكثر الناس وهي:
أولا: أن يلبس الخفَّ أو الجورب على طهارةٍ كاملة، فيتوضَّأ أولاً ويكمل وضوءه، ثم يلبس، فلو غسَل رِجلَه اليُمنى وأدخلها في الخفِّ أو الجورب قبل غسْل اليُسْرَى لم يَجُزِ المسح؛ لأنَّ الطهارة لم تكتمل بعدُ، حيث لم يغسل رِجلَه اليسرى بعد، فلابدَّ مِن غسل الرِّجلين قبل اللبس، فلو لبس اليُمنى قبل أن يغسِلَ رِجلَه اليُسرى خلَع الملبوس على اليُمْنى ولبسه بعدَ أن يغسل رِجلَه اليسرى.
ثانيا: أن يكونَ الملبوس ساترًا لمحلِّ الفرْض؛ أي: يكون ساترًا للكعبين فلا يجوز المسحُ على خفٍّ أو جورب حدَر الكعبين أو واسعان يظهر ويُرى منهما الكعبان، ولا على الجوربِ الذي لا يستُر البشرَةَ ويصفها أو فيه خروقٌ تُرَى معها الرِّجل، فلا بدَّ أن يكون الممسوح ساترًا للرِّجل، وأن يكون ثابتًا بنفسه عند المشي، وأن يكون الممسوحُ طاهرًا ليس فيه نجاسة، وأن يكونَ مباحًا فلا يصحُّ على مغصوب ولا مسروق.
وابتداء مُدَّة المسْح من الحدَث، فإذا لبس الخفَّيْن أو الجوربين الموصوفين بعدَ كمال الطهارة مسَح عليهما إلى الوقت الذي أحْدث فيه، فإنْ خلعَه بعدَ المسْح بطل المسحُ فلا يخلعه ويُعيده، بل لابدَّ مِن إعادة الوضوء مِن جديد ويستأنِف مدَّةً جديدة.
ومَن مسَح وهو مسافرٌ، ثم حضَر إلى بلده فتكون مدَّة مسحِه مدةَ المقيم، أو مسَح في بلده ثم سافَر فمُدَّتُه مدَّةُ مقيم، أو شكَّ متى بدأ المسح فمُدته مدَّة مقيم؛ أي: يوم وليلة، والمسْح على الخفِّ والجورب يكون في الحدَث الأصْغر، أما الحدَث الأكبر وهو ما يُوجِب الغسلَ فلا بدَّ من خلْع الممسوح.
البعضَ قد يلبس الجورب والخفَّ فيمسح عليهما جميعًا، وعندما يريد دخولَ مجلس أو ينام يخلَع الخفَّ ويترك الجورب، ثم يمسح عندَ الوضوء، فهذا المسح بعد الخلع غيرُ جائز؛ لأنَّه بطَل المسح بخلْع الخف حيث جعَلها مع الجوربِ كالواحد.
فينبغي في مِثل هذه الحالة أن يكونَ المسح عند الابتداء فيه على الجوربِ وحْده دون الخف، فإذا مسح على الجورب وحدها ثم لبس الخفِّ وخلعها، فإنَّ ذلك لا يؤثِّر حيث أصبحتْ بمثابة الحذاء تُلبس وتخلع، والحُكم في المسح للجورب وحدها.
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمع صِفة المسح
أن يبتدئ مِن أصابع الرِّجْل إلى الساق على أعْلى الممسوح فيَضع يدَه اليُمنى على أطرافِ أصابع رِجله اليمنى ويدَه اليسرى على أطرافِ أصابع رِجله اليُسرى ويمسحهما إلى الساقين، هذه صِفة المسح المسنون.
فعن المغيرة بن شُعْبةَ - رضي الله عنه -: ((أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مسَح على خُفِّه ووضَع يدَه اليُمنى على خفِّه الأيمن، ويدَه اليُسرى على خفِّه الأيسر، ثم مسَح إلى أعلاه مسحةً واحدة)).
هذا فيما يَتعلَّق بالخفَّين، أمَّا في الجبيرة على العضو المصاب كالكَسْر أو الشجَّة أو الجرْح، فالمسح عليها عزيمةٌ؛ لأنَّ غسلَ المصاب قد يضرُّ.
ويمسح المصاب على الجبيرة أو اللفافة الملفوفة على قدَم المصاب، والجبيرة لا مُدَّة للمسح فيها إلا البُرء، فيَمسح عليها حتى تبرأَ، كما أنَّه يمسح عليها حتى في الحدَث الأكبر؛ لما رَوى جابر - رضي الله عنه - قال: خرجْنا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفَر فأصاب رجلاً منَّا حجر فشجَّه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ فقالوا: ما نجِد لك رخصةً وأنت تقدِر على الماء، فاغْتَسل فمات، فلمَّا قدِمنا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُخبر بذلك، فقال: ((قتَلوه قتَلَهم الله، ألاَ سألوا إذا لم يَعلموا، فإنَّما شفاءُ العِيِّ السؤال، إنما كان يَكْفيه أن يتيمم ويعضد - أو يعصب - على جُرحه خرقةً ويمْسَح عليها ويغسل سائرَ جسدِه)).