حتى تعيش راضيًا سعيدًا في هذه الحياة، عليك بالرضا بالمقسوم، وبما كتبه وقدره الله عز وجل لك، واعلم يقينًا أن مجرد استيقاظك في بيتك مبرئًا من أي مشكلة، فأنت كمن امتلك الدنيا بأسرها.
عن عبيدالله بن محصن الأنصاري وأبي الدرداء وعبدالله بن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم: أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم آمِنًا في سِرْبِهِ، معافًى في جسدِهِ، عنده قوتُ يومِهِ، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافِيرها»، وهنا يشير الحديث إلى معنى مهم، ألا وهو ضرورة حاجة الإنسان إلى الأمان والعافية والقوت، وأن الواجب على العبد أن يشكر الله تعالى ويحمده إن نال هذه النعم العظيمة الجليلة، التي لا يعي قيمتها وقدرها إلا من حُرمها أو حُرم شيئًا منها.
اقنع بالقليل
اقنع بالقليل، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن آدم, عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك, ابن آدم لا بقليل تقنع, ولا من كثير تشبع, ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء».
واعلم يقينًا أن قضاء الله نافذ لا محالة على القابل والرافض، قال تعالى يؤكد ذلك: « نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » (الزخرف: 32)، فإما أجر، وإما ولعياذ بالله وزر، فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فلا تكن كمن يعبد الله على حرف، ومن ثمّ فإن الصيام فرصة عظيمة لتنمية هذه المهارة الإيمانية، فهو يدرب الإنسان، وينمي قدرته على التحكم في ذاته، فيُخضع الدنيا لسيطرة إرادته وقوة إيمانه.
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعلا تستسلم
قد يتصور البعض أن الرضا هو الاستسلام، والحقيقة غير ذلك تمامًا، لأن الاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد لتحقيق الهدف، أما الرضا فهو إتيانك لكل مجهود ممكن لتحقيق هدفك، إلا أنك لم توفق إليه، فترضى بما قسم الله لك من غير جزع، أو ضجر، أو سخط، كالذي تزوج ولم يرزق الولد، فيرضى بقضاء الله فيه، فالرضا هو قبول حكم الله في السراء والضراء، والعلم أن ما قسمه الله هو الخير كله.
قال الحسين بن علي رضي الله عنه: «من اتكل على حسن اختيار الله تعالى، لم يتمن غير ما اختار الله له»، وهذا الفهم السليم للرضا هو الذي يهون المصاب، ويخفف وطأة البلاء، قال علقمة في قوله تعالى: « وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ » (التغابن: 11)، قال: «هي المصيبة تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله عز وجل، فيسلم لها ويرضى».