يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ» (البقرة ٢١٤)، وكأنه سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، إذ أنه كيف يميز الله الخبيث من الطيب إن لم يمر المرء على الاختبار الذي يخرج إما أحسن ما فيه أو أسوأ ما فيه ولعياذ بالله، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» (العنكبوت - 1 : 3).
لتكن صادقًا
إذن، اعلم يقينًا أنه طالما كنت ممن أعلنوا إسلامهم ويقينهم في الله، فأنت لابد وأن تُمتحن وتُختبر، ليخرج الله أفضل ما فيك، فتكتب عنده من الصادقين والصابرين، وحسن أولئك رفيقا، بينما من يجزع ويعترض فإنه ولعياذ بالله يكتب من المعترضين، فمن قام بأمور دينه وشرعه، لا بد أن يبتليه الله عز وجل، فإن صبر على أمر الله، ولم يهتم بالمكاره الواقفة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها.
أما من جعل فتنة الناس كعذاب الله، فهو الكاذب في دعوى الإيمان، لأنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه، فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم «مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ» أي الفقر ( وَالضَّرَّاءُ ) أي الأمراض في أبدانهم، ( وَزُلْزِلُوا ) بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل، والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع كثيرة من الضرر إلى أن استبطأوا نصر الله مع يقينهم به، ولكن كان الفرج من الله في الوقت المناسب الذي حدده هو بذاته العليا.
اقرأ أيضا:
الأمن من مكر الله له عقوبات دنيوية وأخروية هذه أشهرهاالنصر القريب
من كان مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، الذين تحملوا المصائب مع اليقين في الله، جاءه النصر لاشك، قال تعالى: « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ »، بينما من اعترض وجزع فلا نصر ولا مكسب وإنما خسارة دنيته وآخرته، وهكذا كل من قام بالحق فإنه لابد أن يمتحن، وكلما اشتدت عليه وصعبت، إذا صبر على ما هو عليه انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشقات راحات، وأعقبه ذلك، الانتصار على الأعداء وشفاء ما في قلبه من الداء، يقول تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»، فاجتهد عزيزي المسلم واصبر تكتب من المنتصرين بإذن الله، وإياك والاعتراض، لأنه لن يتغير شيئًا في أرض الله إلا بإذن الله، ولا تنسى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع».