يبين الداعية الإسلامي د. محمود عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن أن رمضان شهر التغيير، والتغيير الذي ننشده في قول الله تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، داعيًا لأن نغير من أنفسنا ونغير من عاداتنا ونغير من أخلاقنا إلى أخلاق أفضل.
من أخلاق النبي في التعامل مع الجيران:
ولأهمية الجار في الإسلام وصى به النبي لحُسن معاملة الجيران، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، مبينا أنه ظن المصطفى أن الجار سيرث جاره من شدة ما أوصى جبريل عليه السلام بالإحسان إلى الجيران، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَ الْمَرَقَةِ ، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ، أَوِ اقْسِمْ فِي جِيرَانِكَ ". رواه مسلم، وفي حديث آخر: « ولا تستطل على جارك بالبنيان، لتحجب عنه الريح ، ولا تأت بفاكهة يخرج بها ولدك ليعير بها ولده » وضعفه أهل العلم
وحق الجوار عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكرت أمامه امرأة كانت صوامة قوامة إلا أنها تؤذى جيرانها بلسانها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ فِي النَّارِ»، إذاً المسلم لا يؤذي جاره، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (والله لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ: مَن لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ومَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: «شَرُّهُ».
يعنى شروره، يعنى الجار لابد أن يكون في مأمن من شرورك، مثلاً بعض الناس يغضب ويشتد غضبه ويخرج يحمل السكين يهدد جيرانه ويكون مصدر رعب لجيرانه يستطيل على الناس بقوته بمعارفه بعلاقاته، فهذا والله لا يؤمن.
فهذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت»، والنبي عليه الصلاة والسلام أوصاك أن تطعم جارك إذا احتاج إلى هذا الطعام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله، قال: من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم"، هذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام بالجار؛ ولذلك النبي علي الصلاة والسلام حينما يتحدث عن أمر النساء في هذا يقول: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا» ولو أن تخرج لها جزءً من ذراع شاة أو شيء من العظم مختلط باللحم فتخرجه لها «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ».
أخلاق الإسلام عظيمة في التعامل مع الجيران.
أوصانا الله بالجار في الكثير من آيات القرآن من هذا قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء:36].
حقوق الجيران:
ويوضح " عبد العزيز" أن الجار له أنواع فهناك جار له حق واحد وهناك جار له حَقان وهناك جار له ثلاثة حُقوق، مبينا ، أن، الجار الذي له ثلاثة حقوق فهو: الجار المسلم، ذي الرحم، فله حق الجوار، وحق الرحم، وحق الإسلام، وهناك جار له حَقان: هو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وهناك جار له حق واحد: وهو الجار غير المسلم في المجتمع المسلم فله له حق الجوار.
هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتفقد جيرانه وكان يسأل عنهم وكان ينصح لهم وكان يفرح لهم إذا نزل بهم فرح وسرور وكان يحزن لحزنهم وكان يعود مريضهم وكان يشهد جنائزهم، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام.
كيف أحسن إلى جاري؟
ويضيف " عبدب العزيز" أن للإحسان للجيران صور كثرة كلها تجلب النفع له ودفع الضر عنه فمثلا جيرانك عندهم ابن من الأبناء نجح في دراسته يجب عليك أن تفرح لهم لا أن تحزن أو تحقد أو تتمنى لأبنائهم أن يرسبوا هذا من الحسد الذى يكون بين الجيرا، كما يحرم على الجار أن يتجسس على جيرانه، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم) [الحجرات:12].
ورحم الله جاراً إن رأى من جاره خيراً أذاعه ونشره، وإن رأى منه سوءاً كتمه،
وكان داود عليه السلام: ( اللهم إني أعوذ بك من جار إن رأى مني خيراً كتمة وإن رأى مني سوءاً أذاعه ونشره).
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاصبِرْ. فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطرَح مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ. فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ" فكان الناس إذا مروا على هذا الرجل قال: ما الذي أجلسك ها هنا قال: جاري يؤذيني، فيأخذ الناس يسبون جاره ويدعون عليه حتى بلغ هذا الأمر لمن؟ الجار المؤذي فذهب إلى جاره وقال له: أستحلفك بالله أن ترجع إلى بيتك وأن ترجع إلى أهلك وخذ متاعك فو الله لا أوذيك بعد اليوم.
هكذا كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي علينا أن نصبر على أذى الجار، والصبر على أذى الجار من حقوق الجار.
وهذا رجل من الصالحين كان في سقف بيته تنزل نقطة من نجاسة كنيف جاره، الجار يسكن فوق، وهو يسكن أسفل الجار، وكان لجاره كنيفاً، يعنى حمام يُنزل ماءاً ملوثاً، وكان الجار يصبر عليه سنوات وسنوات فلم يُعرف ذلك إلا بعد وفاة الجار، فعلموا أن الرجل كان يصبر على أذاه.
وها هو رمضان فرصة للتغيير وفرصة أن نحسن علاقاتنا مع الجيران وأن ندعوهم إلى الله وأن نأخذ بأيديهم إلى الجنة.