هو يمر رمضان سريعًا جدًا، والمعلوم عن هذا الشهر الفضيل، أنه شهر الاعتكاف والتهجد، ورغم الظروف الدولية من انتشار فيروس كورونا، وهو ما يصعب من الاعتكاف في المساجد، فإن المسلم (الواعي والناصح) لا يفوت عليه الأمر، ويعتكف ولو في بيته، حتى ينال جزاء هذا العمل الطيب، الذي لم يتركه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، يومًا، منذ قدم المدينة المنورة حتى قبضه الله عز وجل.
وفي حين يقول عامة العلماء إن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد، وإنه لا يجوز الاعتكاف في البيوت، إلا أن هناك قاعدة شرعية تقول (الضرورات تبيح المحظورات)، وعليه فإن في ظل تفشي هذا المرض اللعين، قد يتقبل الله من عبدٍ اعتكف في بيته، مادام التزم بشروط الاعتكاف.
سنة الاعتكاف
الاعتكاف في رمضان من السنن التي يثاب المسلم على فعلها، إلا أن يوجبه الإنسان على نفسه بنذر ونحوه، وقد أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضًا، إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذًرا، فيجب عليه، ومما يدل على أنه سنة، فعل النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، ومداومته عليه، تقربا إلى الله تعالى، وطلبا لثوابه، واعتكاف أزواجه معه وبعده، ويدل على أنه غير واجب أن أصحابه لم يعتكفوا، ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، به إلا من أراده.
وعن الاعتكاف في رمضان قال عليه الصلاة والسلام -: «من أراد أن يعتكف، فليعتكف العشر الأواخر»، فلو كان واجبا لما علقه بالإرادة، وأما إذا نذره، فيلزمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه»، وعن عمر، أنه قال: «يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعفضل الاعتكاف
أما عن فضل الاعتكاف فحدث ولا حرج، فقد روى مالك في الموطأ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه»، فإذا كان هذا جزاء تعلق القلب بالمسجد فما أعظم جزاء الاعتكاف والبقاء فيه انتظارًا للصلوات، والحكمة من الاعتكاف أن فيه تسليم النفس بالكلية لله مع إبعاد النفس عن شغل الدنيا، وفي استغراق المعتكف وقته في الصلاة لأن المقصد الأصلي من مشروعية الاعتكاف هو انتظار الصلاة في الجماعات.
وفيه يشبه المعتكف نفسه بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل ولا يفترون، لكن للمعتكف أن قطع اعتكافه المستحب متى شاء، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا، لكن إذا طال خروجه فقد بطل الاعتكاف ولأن الاعتكاف عبادة فلا بد من تجديد النية إن عاد إلى المسجد.