مما ندعو به في دبر الصلوات (اللهم اجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا)، فكيف بنا نجعلها هكذا؟.
الأمر ليس بالصعب ولا بالمستحيل، فقط علينا ألا نفرح بالموجود ولا نحزن على المفقود، فيجب أن ندرب ونربي أنفسنا على أن الشيء إذا فقد منا نقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وبالتالي يجب علينا أنه إذا ما امتحننا الله بالعطاء، وأفاض علينا من العطاء، حينئذ نشكر الله سبحانه وتعالى ولا نفرح فرحة تلهينا عن شكر الله، كما يجب علينا عند التعامل مع كل نعمة كما أمرنا الله، كالمال، والصحة، والعلم، أن نضعها في مكانها المتوازن، وأن نعيد الأمر كله لله عز وجل، ونقتنع يقينًا بأنه سبحانه من منحنا هذه النعمة فتكون النتيجة بداخلنا الشكر: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، والشكر بالتأكيد يكون باللسان، والقلب.
مالي والدنيا
بالأساس نحن مسلمون، ونتبع سنة نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يسقط منا الكثير من سننه عليه الصلاة والسلام، ولعل أهمها زهده في الدنيا.
عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرقد على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظًا مصبوبًا، وعند رأسه أهب معلقة، فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (ما يبكيك؟) فقال له: «يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله»، فقال عليه الصلاة والسلام: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟»، وفي رواية قال له: «مال والدنيا .. ما أنا إلا كرجل استظل بشجرة ثم راح وتركها».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعازهد في دنياك
ازهد في دنياك، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.. إذن ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما الغنى غنى النفس، والمتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يلح في الطلب أو السؤال، بل يرضى بما قسم الله له يكن اسعد الناس لاشك.
وفي ذلك يقول أوس بن حارثة: "خير الغنى القناعة، وشر الفقر الضَّراعة"، وقد فسر بعضهم الحياة الطيبة في قوله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل:97)، وقد فسر البعض (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) بأنها القناعة.