دخل بعض الصحابة على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في مرض موته، فقالوا له: ماذا تشتكي؟ فقال كلمات أبلغ من شعر الزاهدين وفصاحة العارفين: اشتكي ذنوبي!، ثم قالوا له: وماذا تشتهي؟ قال أشتهي رحمة ربي.
ماذا اشتكى بن مسعود؟
عرف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود معنى الشكوى الحقيقية، والألم الحقيقي، الذي يجب على كل مسلم أن يتألم له، وهو حمله من الذنوب حينما يلاقي ربه عز وجل، وكيف سيفعل أمام الله وكيف سينظر إليه.
فالمسلم يحرص على رضا الله تعالى في كلّ أموره بفعل ما أمره الله به، واجتناب ما نهاه الله عنه، وقد يقع من المسلم شيء من الزّلل أو الغفلة تجعله يقع في المعصية ومخالفة الشرع، ولكنه إذا عرف ربه، ندم على معصيته وتألم لذنوبه، وهو ما اشتكى منه عبد الله بن مسعود.
وإذا حصل من الإنسان شيء من ذلك فعليه المبادرة بالاستغفار والتوبة عما وقع فيه، وقد بيّن القرآن الكريم حال المسلم إذا وقعت منه الذنوب والمعاصي، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر/ 53.
فالمعصية في الأصل سبب من أسباب غضب الله تعالى، وموجبة للعقوبة في الآخرة، بل قد تؤثر على حياة الإنسان في الدنيا، فتجعله مضطرباً في سلوكه وعلاقته بالآخرين، ولا يصاحبه التوفيق في أعماله وأوقاته، سواء لاحظ ذلك بالفعل أو لم يلاحظه، ولذلك فإنّ الله تعالى شرع لنا في الإسلام طرقاً كثيرة للتوبة من المعاصي واستدراك ما فات.
بالرغم من أن عبد الله بن مسعود قد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان وبثقل ميزانه يوم القيامة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: أنه لما صَعَد عبد الله بن مسعود على شجرة فضحك بعض الصحابة من دقة ساقيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتضحكون من دقة ساقيه إنها في الميزان عند الله أثقل من جبل أحد".
إلا أنه ومع هذه الفضائل وهذا الشرف وغيرها من الفضائل، انظر كيف يخاف عبد الله بن مسعود من الذنوب، ويقول وهو على فراش الموت: " أشكو ذنوبي" بل جاء عنه رضي الله عنه أنه لما تبعه بعض تلاميذه قال لهم: عودوا والله لو تعلمون ما عندي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي.
الألم الحقيقي للمؤمن
هذا هو الألم الحقيقي الذي يؤلم المؤمن الصحيح والعاقل الذي يعرف معنى اللقاء مع ربه يوم القيامة، وقد حمل من الذنوب ما يرجو الله أن يغفر له، وفي صحيح البخاري يقول بن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه قال به هكذا" وأشار بيده على أنفه.
يصور لنا عبدالله بن مسعود حال المؤمن مع الذنوب تصويرًا دقيقًا فالمؤمن لشدة خوفه من الله لا يأمن على نفسه يرى ذنبه كالجبل الذي لو وقع عليه لأهلكه فهو خائف غير آمن من سوء عاقبة الذنب بينما الفاجر المقصر والعاصي قليل المعرفة بالله يستهين بالذنب ولا يأبه له ولا يراه شيئًا يذكر، بل يراه كأنه ذباب وقع على أنفه فأبعده غير مبالٍ من سوء العاقبة نسأل الله العفو والعافية.
وقيل للحسن البصري: "ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، قال ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا الاستغفار".
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "أيها الناس من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها".
ويقول سعيد بن المسيب في قول الله تعالى: ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأْوَّابِينَ غَفُورًا ﴾[4] قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنة