لو سألت أي مسلم عن أي الشهور التي يشعر فيها أنه ينعم برحمات الله عز وجل، سيبلغك من فوره إنها شهور (رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة)، إذ أن هذه الشهور تتضمن روحانيات عجيبة، وتتنزل فيها رحمات غير عادية، ويعيش المرء معها حتى انتهاء موسم الحج، وبالتالي لو كان هذا المسلم (ناجعًا) وذكيًا، ما فرط في هذه الشهور أن تمر دون أن يستغلها في إعادة بناء نفسه، فالإسلام ليس صلاة بالمساجد فقط، ولا هيئة ظاهرة للإنسان المسلم، وإنما الإسلام دين يشمل كل حياة الناس، ما بين عقيدة وشريعة وأخلاق، وسياسة واقتصاد، وتواصل واتصال مع الناس، وجهاد وكلمة حق تقال، قال تعالى يؤكد ذلك: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ».
شهر رمضان
البداية قد تكون نهاية رمضان وليست أوله، إذ أن هذا الشهر المعظم مليء بالأساس بالكرامات والرحمات والروحانيات التي تأخذ المسلم إلى عالم آخر غير الذي يحياه، بينما البعض بمجرد أن ينتهي هذا الشهر الفضيل وإلا ويبتعد عما كان يفعل من المحافظة على الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن، والذكر والتسبيح، وهو لا يعلم أن شوال وذي القعدة وذي الحجة مكملون لهذا الشهير الفضيل في بركاته وكراماته ورحماته، بل أن كل ذلك يتعاظم مع موسم الحج، والوقوف بعرفات، وكأن الله عز وجل يريد أن يعلمنا أن من بدأ برمضان محافظًا وتعلم كيف يستمر على العهد، متواصلا على نهجه الملتزم، وصل إلى عرفات وإن لم يكن واقفًا عليه، مغسولا من كل شيء، وعاد كيوم ولدته أمه، ذلك أنه اليوم الذي اختاره الله ورضاه عن الإسلام دين المؤمنين إلى آخر الدنيا.
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعشهر شوال
القصة تبدأ بإتمام صيام الدهر كله، بعد انتهاء رمضان، إذ يكمل المسلمون صيام الدهر بصيام ستًا من شوال، كما ورد في حديث: «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»، ومن ثم فإنه يدخل على ذو القعدة وهو مكتمل الإيمان، مرتكز على أرضية ثابتة من اليقين في الله عز وجل، فيعلم أن هذا الشهر -ذو القعدة- من الأشهر الحرم فلا قتال ولا مبارزات ولا دخول في جدل، ولا الوقوع فيما يغضب الله إرضاءً لله عز وجل الذي حرم القتال في هذا الشهر، ليدخل بعد ذلك ذو الحجة، وهو فضلا عن أنه من الأشهر الحرم، إلا أنه شهر الحج إلى الله، والوقوف بعرفات الله، وهو فضل لو تعلمونه عظيم، إذ وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم العمل فيها بأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، فقال: «ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ».