إنه لغريب أمر الإنسان.. يُؤمر بالنظر للجمال فيتتبع العيوب والنقائص لدى الناس، وذلك على الرغم من أن الانشغال بعيوب الناس وتتبع عوراتهم خصلة ممقوتة، وخلق دنيء، ومنهج صغار النفوس وضعفائها، وناقصي الدين والعقل، إذ يُعمى المرء عن عيوب نفسه وإصلاحها، ويجره إلى خصال ممقوتة من الإعجاب بالنفس، والتزكية لها، والتكبر على الناس، مع تتبع عوراتهم، وهو لا يدري أن بذاته العليا يتوعد من يتتبع عورات الناس بأنه سيتتبع هو عورته ولو كان في جوف بيته.
ولعل أصدق ما قيل في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه»، وفي ذلك يقول أحد الصالحين: «إذا رأيتم الرجل موكلًا بعيوب الناس، ناسيًا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكر به».
صفات المنافقين
عزيزي المسلم، أوتدري أن تتبع عورات الناس وأخطائهم وزلاتهم، إنما هي صفات المنافقين، فكيف بك تضع نفسك بينهم؟.. وقد أخبر عنهم عز وجل في كتابه، فقال سبحانه: « إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا » (آل عمران: 120).
ولذلك كان نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، يُنهى أصحابه عن تتبع عورات الآخرين، فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر مَن آمن بلسانه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته»، فالواجب على المرء إصلاح نفسه، والعمل على تزكيتها، والسعي في نجاتها وفلاحها، وأن يعلم يقينًا أنه إذا أصاب الناس جميعًا أو أخطأوا فإنهم لن يغنوا عن المرء من الله شيئًا «كل نفس بما كسبت رهينة».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعالإفلاس التام
بل أنه من يفعل ذلك فإنه يفلس تمامًا، إذ يأتي ربه يوم القيامة وعليه من الذنوب ما لا يقدر على حملها أحد.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار»، فتخيل عزيزي المسلم قد تفعل كل الحسنات، ولكن تأتي يوم القيامة وعليك ديونًا كثيرة جدًا للناس، ولا تدري من أين أتت، وهي قد أتت من ذكرك أخاك ما يكره، ومن تتبعك لعورات ونقائص الناس وأنت لا تدري.