يقول المولى تبارك وتعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون» (آل عمران:169-170)، فلماذا اختصهم الله عز وجل الشهداء لأن يكونوا أحياء، وأين يعيشون بالفعل، وكيف بالأساس يعيشون وهم في نظرنا رحلوا عن عالمنا؟.
لو تفهمنا هذه الآية الكريمة جيدًا، لعلمنا أنهم أحياء بالفعل، ويرزقون، وهذه أمور لا ترتبط إلى بالأحياء حقيقًة، إلا أن عدم الشعور فينا نحن.. نحن الذين لا نشعر بوجودهم، ونحن الذين يغيب عنا كل شعور بهم، بينما هم تمتعوا بخصال وفوز ونتيجة لا يمكن لغيرهم أن يتمتع بها.. وهي أنهم أحياء (عند ربهم)، فرحين بما أتاهم من فضله، وأي فرح من الممكن أن يكون أعظم من ذلك؟.. بالتأكيد لا يوجد.
لماذا الشهيد؟
ولماذا اختص الله (الشهيد( بكل هذا الفضل العظيم؟.. ذلك أن أعظم صفات الإنسان أن يضحي، فما بالنا بمن ضحى بنفسه، سواء كان لأجل وطنه، أو أهله، أو دفاعًا عن شرفه، فهذا الإنسان قاوم الغريزة الأساسية في الإنسان وهي الحياة، واختار الموت، وآثر نفسه على غيره، لكي يحيا غيره حياة كريمة، فكيف بهذا لا يعوضه الله ما تركه بما هو أفضل وأعظم منه؟.
فقد ترى كثيرين يتمنون الموت شهداءً، لكن عند التنفيذ الأمر مختلف، لأن القرار من أصعب ما يكون، إذ يروى أنه جاء رجل إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله .. ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة».. ولاشك هي أعظم وأكبر فتنة، لأنك من المستحيل أن تقدم حياتك بلا مقابل، بينما الشهيد يقدمها بالفعل دون مقابل، يدفعها دفعًا إرضاءً لله ورسوله، فلابد أن تكون النتيجة فوق ما يتصور هو أو نحن.
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من أحياها حاز رضا الله وعظيم ثوابهرجال صدقوا الله
الشهيد هو الذي رفض حياة البشر التقليدية، واختار حياة أخرى، أعلى قيمة وقامة، قال تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ»، وكأن الأمر أكبر بكثير جدًا من شعورنا وإحساسنا، لأنهم ببساطة صدقوا الله ورسوله، فنالوا هذه القيمة العظيمة.
قال تعالى: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (الأحزاب 23)، نعم صدقوا الله فصدقهم الله، فكما اختاروا الموت في سبيل رفعة كلمته وصدًا للأعداء، ودفاعًا عن أوطانهم وشرفهم، كان على الله عز وجل أن يحسن مُدخلهم، ويجعل مثواهم مختلف عم يأول إليه عموم الناس، ذلك أنهم بالفعل كانوا مختلفين عن كل الناس.