لعل أكثر ما يشغل الإنسان في الحياة، هو أين يجد رزقه، ومتى ينتهي أجله، وهي القضية التي فصل فيها القرآن الكريم، قال تعالى في سورة لقمان: " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ "، وجعل الله سر الرزق وموعد الأجل في علمه هو فقط فقال: " إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) سورة لقمان.
فقد تنشغل وأنت في معركة البحث عن الحياة، عن وسائل تأمين مستقبلك، وكيف تحصل على رزقك، ورزق أولادك، وماهو الذي ينتظرك، ومتى يأتي أجلك، وماذا تترك لأبنائك بعد موتك؟".
وكيف يوازن الإنسان بين السعى فى الدنيا والعمل من أجل الأخرة، خاصة إذا كان مؤمنا بالموت، وبضمان الرزق وفوات الأجل، فقد كتب الله على نفسي ألا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها الذي أجل الله لها.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثَنا رسولُ الله عليه الصلاة والسلام، :((إنَّ أحدَكُم يُجْمَعُ خَلْقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا، ثم يكُون علقةً مِثلَ ذلك، ثم يكُون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسَل الملَكُ، فينفخ فيه الرُّوح، ويُؤْمَر بأربع كلمات: بِكَتْبِ رزقه، وأجلِه، وعملِه، وشقيٌّ أو سعيد)).
فالرزق والأجل من الأمور والقضايا الغيبية الأربعة التي تحدث عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وينبغي الإيمان بها، واليقين الجازم بِصدْقها.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: ((كَتب اللهُ مقاديرَ الخلائق قبل أن يَخلق السماواتِ والأرضَ بخمسين ألف سَنة - قال: وعرشه على الماء)).
وقال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].
وقال تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].
اظهار أخبار متعلقة
ماذا تظن في الموت؟
قد يظن الإنسان أن هناك وسائل معينة لدفع الموت عنه، فيجبن عند لقاء العدو، أو يخشى على نفسه من عناية أهله وماله، جبنا من أن يتعرض للأذى، وقد تصل القضية للكثير من الوساوس التي تحيط به، خوفا من المرض أو العدوى، وربما تتطور إلى النفاق، فقد ورد أن بعض المنافقين رفضوا أن يجاهدوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وملاقاة الأعداء في غزوة بدر، وفي أحد، ظنا منهم أن ذلك سيكون مانعًا لهم من الموت، فقطع اللهُ تلك الآمالَ الكاذبة بقوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154].
وفي الرزق أيضا، قد يظن السارق أو اللص أن رزقه لن يأتيه، فيتعجل طلبه بأخذه حراما، فلو كان مؤمنا لعلم أن ما كُتب للعَبْدِ سينالُه لا محالة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].
وقال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ((إنَّ رُوح القدس نفَثَ في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلَها، وتستوعب رِزقَها، فاتَّقوا الله، وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزق أن يطلبه بمعصية؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)).
فاعلم أن الرزق والأجل لا بد أن يستكمله العبد قبل أن يموت؛ فعن جابر رضي الله عنه؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ)).
أسباب جلب الأرزاقُ
1- التوكُّل على الله:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لو أنكم تَتَوَكَّلُونَ على الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا)).
2- الاستغفار والتوبة:
قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12].
3- صلة الأرحام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَنْ أحبَّ أنْ يُبسَطَ لَهُ في رِزقه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)).