شهر ذي القعدة هو الشّهر الحادي عشر من شهور السَّنة الهجريَّة، يأتي بعد شوَّال، ويليه ذو الحجَّة، وهو من الأشهر الحُرُم . وهو من الميقات الزماني للإحرام مع شوال، وذي الحجة .
وشهر ذو القعدة الذي يهل علينا خلال ساعات من أشهر الحج كما أخبرنا الله عزوجل قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ" "البقرة: 197" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ” أَشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحَجَّةِ”، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ” مِنَ السُّنَّةِ: أَنْ لاَ يُحْرِمَ بِالحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ” "صحيح البخاري"
وروي من حديث أبي بكرة -رَضِيَ اللهُ عَنْه - عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال : "الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات، والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضر، الذي بين جمادى وشعبان "..
ويحظي شهر ذي القعدة بمكانة كبيرة لدي عموم المسلمين وهو أحد الأشهر الحرم التي نهى اللهُ عن الظلم فيها؛ تشريفًا لها فضلا عن أنه سُمي بهذا الاسم؛ لأن العرب كانوا يقعدون عن القتال فيه، وهو أول الأشهر الحرم المُتوالية.
ومن الثابت أن لشهر ذي القعدة فضائل عديدة حيث ذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة في قول الحق سُبحانه وتعالى: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ...". "البقرة: 194" والمراد بالشهر الحرام: شهر ذي القعدة.
وبحسب أقوال العشرات من الفقهاء والعلماء فإن فضائل هذه الشهر الكريم تتركز في أن العُمرة فيه سُنَّة؛ لأن عُمرات النبي ﷺ كنّ في شهر ذي القعدة؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». "متفق عليه".
وروي عن سيدنا أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكان من المقربين للنبي صلى الله عليه وسلم وأدري الناس بالحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم-: “اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ” (متفق عليه).
وفي نفس السياق قال الامام ابن القيم رحمه الله: “الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك” ، لذلك من تيسر له أداء العمرة في هذه الأيام فلا يضيع هذه الفرصة .
ومن الثابت أن الأشهر الحُرُم قد سميت حرما لأن اعتادوا علي منع القتال –إلا كان هذا ردًّا للعدوان– بشكل جعل فيه الحسنات مضاعفة كما تُضاعف السيئةُ. وذهب الشافعي وكثير من العلماء إلى تغليظِ دِيةِ القتيلِ في الأشهر الحُرُم.
كما أن الأشهر الحُرُم ومنها شهر ذي القعدة أشهر كريمة فاضلة، لها حرمتُها عند الله تعالى،حيث اختصها ربنا تعالى دون شهور العام، فأمر بتعظيم حرمتها، ونهى عن الظلم فيها، وعلى المسلم تجنب الوقوع في الآثام في الأشهر الحرم، لأن الآثام تضاعفت فيها لحرمتها، مثل مضاعفتها إذا ارتُكبت في البلد الحرام مكة، كما مر آنفًا.
أذا كانت لشهر ذي الحجة هذه الفضائل فهو مثله مثل الأشهر الحرم له طاعات مستحبة يجب أن يكثر منها العبد المؤمن مصدقا لقوله تعالي : "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" "التوبة: 36".كما ذكر في هذا الشهر الفضيل فهناك العديد من الأعمال والطاعات المستحبة في ذي القعدة ، حيث ينبغي في هذه الأشهر الإكثار من الأعمال الصالحة، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: "صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها"، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، أي أشار بصيام ثلاثة أيام وفِطر ثلاثة أخرى.
لذا فمن المهم ونظرا للمكانة التي يحظي بها شهر ذي القعدة التقرب إلى الله تعالى فيه بـالإكثار من العبادات الصالحة ؛ من صلاة، وصيام، وصدقة، وعمرة، وذكر، وغيرها، فالعمل الصالح في شهر ذي القعدة كالأشهر الحرم له ثوابه العظيم وخيره الوفير.
فإن شهر ذو القعدة من الأشهر الحرم بغير خلاف، وهو أول الأشهر الحرم المتوالية. وقيل سبب تحريم هذا الشهر : إن تحريم ذي القعدة كان في الجاهلية لأجل السير إلى الحج، وسُمِّي ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال لذلك أخذ لفظ القعدة منه .
لذلك قال الله تعالي عنهم : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]، قال أئمة التفسير: “في كلِّهن، ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم