في بعض الأحيان تلتقي شخصًا ما، قد يدهشك معرفته بأمور تراها أنت غيبية، أو يفهم جيدًا في أمور قد لا تعيها أنت جيدًا، لكن حتى يمحى اندهاشك هذا، عليك أن تعرف الحقيقة.. والحقيقة تتمثل في أنه عرف الله جيدًا، فأعلمه الله ما تراه غيبًا، وإن كان أمام عينيك.
يقول أحد الحكماء: (المحبة أصل في الإفهام ، فمن أحب الله ؛ فهم عنه كل شيء)، أي أن كل ما غاب عن وعيك وفهمك، فإنما بسبب ضعف تعلقك وميلك إليه سبحانه وتعالى، ومن ثمّ فإن ضعف ميلك إليه بسبب قلة معرفتك به، ذلك أنه إذا زادت المعرفة بالله عز وجل زاد التعلق به سبحانه، فيزيد التعلق والميل الذي هو الحب، فتكون النتيجة أن ترى ما لا يراه الآخرون.
نور الله
نعم هناك بعض الناس يمشون بنور الله عز وجل، ذلك أنهم تعلقوا به، وتوكلوا عليه حق توكله، وتركوا أنفسهم ليديه راضون بقضائه وقدره مهما كان، شاكرون إذا أنعم عليهم، صابرين إذا ابتلاهم، فكانت النتيجة أنهم ارتقوا لمكانة لا يصل إليها غيرهم، وهي مكانة الأحبة، فإذا أحب الله عبدًا كان له كل شيء.
إذ يقول الله تعالى في الحديث القدسي: « من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته»، فمن عرف الطريق انتهى اندهاشه، وإنما أخذ بالأسباب وراح يبحث عن الوسيلة التي توصله إلى هذه المكانة العظيمة.. وهي مكانة القرب من الله ومحبته.
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعالسير إلى الله
لكي يكون الله بذاته وجلاله هو دليلك ومرشدك في الدنيا والآخرة، عليك أولا أن تخطو أنت الخطوات نحوه.
عن سيدنا أنس رضي الله عنه، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى قال: «إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة»، وهنا يكون الله لك مرشدًا ودليلاً، تأكيدًا لقوله تعالى: « قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » (الأنعام: 104).
البصيرة من الله، ولكن يكتبها ويمنحها لمن يشاء، وهؤلاء يجب عليهم أولاً اتباع طريق الله حتى يجدوا الطمأنينة في نهايته، فالبصيرة هي نور في القلب كما أن البصر هو نور العين الذي ترى به وتبصر الأشياء.
وقد سأل ابن أم مكتوم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قائلاً: أنا في الدنيا أعمى، أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت هذه الآية: « فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (الحج: 46).