يكثر الجدل حول المعنى الحقيقي للتصوف بين الفينة والأخرى، ومنهم -للأسف- من يراه يقف عند حد النوم على الحصير ولبس الخشن، إلا أنه حياة متكاملة، تتضمن الزهد الحقيقي، والبحث عن طريق الله الحقيقي، وليس لهدف دنيوي، أو مقابل مهما كان، ذلك أن علم التصوف إنما يؤدي الى ترك الذنوب والتعرف على علام الغيوب.
فضلاً عن أنه يعني التخلق بأخلاق الله، والتعرف على الله، فيعيش المتصوف ببدن يعمر الارض، وبقلب مُعلق في السماء ، فيحقق المطلوب منه دنيويًا، دون الوقوع في الغايات الأخرى، مع الاستمتاع بقربه من الله عز وجل، فيعيش كأنه محمولا على أكف الراحة ، لا يشعر بتعب أبدًا، وما ذلك إلا لأن التصوف هو الطريق المؤدي إلى كمال التوحيد، لأنه ينتج كمال الأخلاق ويؤدي إلى حسن المعاملة مع جميع الخلق.
التصوف السمح
التصوف السمح ينبع من الإيمان في الله عز وجل، وفي اليقين بأنه الخالق والقادر على كل شيء، مع الرضا بما يمنحه للعبد، مهما كان ضئيلا، والصبر على البلاء مهما كان كبيرًا، فقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من هو، حياة الزاهدين.
يروى أنه دخل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير ليس عليه سوى إزاره وقد أثر الحصير في جنبه صلى الله عليه وسلم، ودار عمر بعينيه في بيت النبي فما وجد غير قبضة من شعير نحو الصاع وقرظ، في ناحية الغرفة وإهاب معلق على الجدار، فبكى عمر، وناداه الحبيب صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا ابن الخطاب»، قال: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذلك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوه وهذه خزانتك، فقَال صلى الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟» قال عمر: بلى.
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعمالي والدنيا
فالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، -وهو من هو- زهد في الدنيا، فكيف بنا نهتم بها وكأننا سنعيش أبد الدهر.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم، على حصير، فقام وقد أثَّر في جَنْبه، فقلنا: يا رسول الله! لو اتخذنا لك وِطاء، فقال: «ما لي وما للدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».
وبعد فتح خيبر وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى تجمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم حوله يطالبنه بسعة في الدار وزيادة في النفقة، فما استجيب لهن بل خيروا بين البقاء على هذه الحال أو الطلاق. ونزل قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً» (الأحزاب:28-29).
وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته في غرفات بالطوب اللبن سقفها الجريد، وما كان من قلة ذات اليد فقد فتح الله عليه خيبر، وفاء الله عليه من أهل القرى ومن غيرهم، ولكن هكذا شاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.