ربما تشعر أن السعادة في جني الأموال وتحصيل الشهرة، أو السلطة، ولكن مع ذلك قد تجد رغم تحصيل هذه المتع الدنيوية، يفتقد صاحبها للسعادة الحقيقية، حيث تشعر وكان شيئا ينغص عليه معيشته، دون سبب أو مبرر معروف، لفقدان حالة الاطمئنان التي يبحث عنها كل إنسان.
فالسعادة التي يبحث عنها القلب دائما ما تأتي بالاطمئنان وراحة البال، فربما تكون ناجحا ولكن لا تشعر بالسعادة نتيجة فقدان القلب لحالة الاطمئنان التي يبحث عنها، والتي تعد من أسرار هذه المضغة الصغيرة التي قال عنها النبي إنها إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، فسعادة القلب هي سعادة كل الجوارح، وحزنه يصيب الجوارح بالغم والهم والحزن.
فكيف يحصل القلب على السعادة مهما بلغ من أموال الدنيا وكنوزها ومفاتنها، وقد قتل هذا وسفك دم هذا وأخذ مال هذا.. بالتأكيد لن يشعر هذا القلب على الاطمئنان، أو راحة البال، لطالما أنه كان في حالة من الجفاء مع نفسه ومع الناس، فضلا عن أن الله يسلط عليه بذنوبه من يفقد قلبه هذه السعادة المنشودة التي يبحث عنها، حتى مع كثرة امواله وعظم سلطته.
اظهار أخبار متعلقة
فقد يستغرب المؤمنون من يعيش في هم وغم وحزن وهو يستطيع أن يعيش في جنة الدنيا؟.
قال مالك بن دينار رحمه الله: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له وما أطيب ما فيها، قال، معرفة الله عز وجل ومحبته".
اظهار أخبار متعلقة
ما هي راحة البال الحقيقية؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن راحة البال : «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» (رواه مسلم)، وهذه هي جنة المؤمن العاجلة، كما أنه لا نعيم ولا فوز بالآخرة إلا بجواره سبحانه وتعالى في دار النعيم في الجنة الآجلة.
والإيمان والعمل الصالح هو طريق السعادة في الدنيا قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ ]النحل:97[ وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ]الأحقاف:13[.
فمن أراد السعادة الحقة فعليه بإحضار قلبه أولا، والعمل الصالح لوجه الله، ودوام الذكر والدعاء.
فسعادة القلب وأنسه وطمأنينته وراحته وسعادته في الدنيا لا يكون إلا بعمل القلوب؛ فالذكر يطمئن القلوب كما قال سبحانه:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] .
قال الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]
فهذه الطمأنينة والسكينة إحدى ثمرات إيمان القلب ومعرفته بالله؛ وهي التي قال أحد الصالحين أنه لو علم بها الملوك لبارزونا عليها بالسيوف، هي سعادة النفس.
ومن أراد سعادة الدنيا فليعمر قلبه بأعمال القلوب اخلاصاً ومحبة ورجاء الله وتوكلاً عليه أنوار هذه العبادات القلبية تبدد كل هم أو حزن أو ضيق.
لذلك علق الله النجاة والفلاح والسعادة الحقيقية من راحة البال والطمأنينة والسكينة، بعدد من الأعمال الصالحة، ولا شك أن أعمال القلوب من الإيمان بل أصله وجوهره وأن أعمال القلوب من العمل الصالح بل أفضله، ومن أهم هذه الأعمال.
الصلاة في وقتها
فالصلاة التي بها ينوِّر الله قلبك، ويُبيِّض بها وجهك، وينور بها أيضًا طريقك، والصلاة مجلبة للرِّزق، حافظة للصِّحة، دافعة للأذى، مريحة للقلب، ومفرحة للنفس، وشارحة للصدر، وجالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن".
ذِكْر الله يطمئن القلوب
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ﴾ إلى أن قال سبحانه: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 190 - 191]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].
اظهار أخبار متعلقة
حب الناس والخلق الحسن
في الخلق الحسن منافِعُ لا يدركها إلاَّ مَن تَحلى بالصفات الحسنة والمعاملة الطيبة، فكل الناس يُحبون صاحبَ الأخلاق الحسنة، بل يصل بهم الأمر أنْ يُفضلوه على أنفسهم، ويَجعلونه في منزلةٍ عظيمة، قال الله تعالى واصفا نبيه صلى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
أدرك نعمة الوقت
رُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "ما ندمت على شيء نَدمي على يومٍ غربت شَمسُه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد عملي"، وروي عن الحسن البصري - رحمه الله - قوله: "ما من يوم ينشق فجره إلاَّ نادى مُنادٍ من قِبَل الحق: يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
عمل الخير:
المسلم يحب عمل الخير والسَّعادة لمن حوله؛ لأنَّه دائمًا يَتَذَكَّر قولَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وهذا ميزانُ الخير، وعاملٌ من عوامل السعادة وراحة البال.