يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ » (الأعراف: 54).

فالله تعالى موجود، ولكن كيف نعرف بحقيقة وجوده.. بدايةً علينا أن نعي جيدًا أن معنى وجود الله، هو أن العدل موجود والرحمة موجودة والمغفرة موجودة، معناه أن يطمئن القلب، وترتاح النفس، ويسكن الفؤاد، ويزول القلق، فالحق لابد أن يصل لأصحابه، ومعناه لن تذهب الدموع سدى، ولن يمضي الصبر بلا ثمرة، ولن يكون الخير بلا مقابل، ولن يمر الشر بلا رادع، ولن تفلت الجريمة بلا قصاص.

قال تعالى: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ » (يونس: 3).

الله موجود

علينا أن نعي جيدًا أن معنى (الله موجود)، -حسبما جاء في كتاب علم نفس قرآني جديد للدكتور مصطفى محمود رحمه الله- هو أن الكرم هو الذي يحكم الوجود وليس البخل، وليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه، فإذا كان الله منحنا الحياة فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت، وإن الموت لا يمكن أن يكون سلبا للحياة، وإنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت، ثم حياة أخرى بعد البعث، ثم عروج في السموات إلى مالا نهاية.

ومعناه أنه لا عبث في الوجود، وإنما حكمة في كل شيء، وحكمة من وراء كل شيء، وحكمة في خلق كل شيء، ففي الألم حكمة، وفي المرض حكمة، وفي العذاب حكمة، وفي المعاناة حكمة، وفي القبح حكمة، وفي الفشل حكمة، وفي العجز حكمة، وفي القدرة حكمة، ومعنى الله موجود ألا يكف الإعجاب، وألا تموت الدهشة، وألا يفتر الانبهار، وألا يتوقف الإجلال، فنحن أمام لوحة متجددة لأعظم المبدعين سبحانه وتعالى.

اقرأ أيضا:

أقسم به وفضله على غيره.. أسرار وثواب وفضل يوم عرفة ولماذا اختاره الله للحج الأعظم؟

أين الله؟

إذا ركزت قليلاً، ستجد الله في نفسك، وحولك، وفي مالك، وأولادك، وفي راحتك وطمأنينتك، والله أخبر في عدة آيات عن وجوده سبحانه: منها قوله: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً» (النساء:110)، وقوله أيضًا عز وجل: «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً» (النساء: 64) وقوله: «وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ» (النور: 39).

إذن علينا أخذ الخطوة الأولى للتقرب إلى الله، وهو سيجدنا أينما نحن، بمجرد أن نذكره، سيذكرنا، فهو يحب من يذكره، ولا يخيب ظن من أحسن الظن به سبحانه، فكيف نجده في كل شيء، ثم يكون شك في ذلك ولعياذ بالله، «أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» (إبراهيم: 10).