قال الله تعالى في سورة النحل: "أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ".
كثيرا ما ننشغل بما نؤمن به مستقبل أولادنا، ونترك لهم من خلاله الأموال والسلطة التي تلزمهم في العيش بين الناس أقوياء، ظنا أن تأمين المستقبل لا يكون إلا في هذين العنصرين، في الوقت الذي قد ينقلب فيه هذا المال وهذا السعي من اجل الأبناء على صحبه، فيستدرجنا الله من حيث لا نشعر ونجني بالمال مالم يدر في خلدنا.
صور أخرى للنعمة
فالمال والثروة ربما تعين أصحابها في بعض الأوقات، خاصة وأن الله أمرنا بأن نسعى لتحصيله كوسيلة تعين على الكسب الحلال والمعيشة الطيبة، ولكنه في نفس الوقت ربما يكون مصدر فتنة لنا ولأولادنا، فلا تستطيع أن تدرأ عنك مصيبة ولا أن تكف نازلة من النوازل ولا نائبة من النوائب، بهذا المال.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك".
فالنعمة ليست في المال فقط، فكم من إنسان كانت عنده نعم كثيرة ولكنه فقدها لأنه لم يقيدها بالشكر! وكم من إنسان كان في عافية فابتلاه الله -تعالى- بالمرض وحرم خير الدنيا وخير الآخرة؛ لأنه لم يصبر على ذلك البلاء الذي ابتلاه الله تعالى به، وكم من إنسان تمرد على الله وعصاه وتجبر وتكبر ففاجأه الله بسيف نقمته.
فمن يظن دوام الحال فهو مخطئ، و مغتر، فسنن الله تعالى قضت بأنه ليس هنالك نعمة تدوم، فهذا المال يأتي يوم من الأيام ويضيع ، لذلك أسعدُ الخلق هو أعظمُهم عبوديةً لله، وكلَّما كان العبدُ أذلّ لله وأعظمَ افتقارًا إليه كان أقربَ إليه وأعظمَ قدرًا عندَه وعندَ خلقِه، فالعبدُ عاجز عن ضمان مصالحه ودفع مضارّه، ولكنه محتاجٌ إلى الاستعانة بالله عز وجل.
الافتقار لله
الافتقار لله عز وجل هو خير ما يضمن للإنسان سعادته ومستقبله في الدارين، لذلك فهم الأنبياء عبادة الافتقار لله، وعملوا بها، قال تعالى عن نوحٍ عليه السلام : (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ) [يونس:71]، وقال الخليل عليه السّلام: (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [الممتحنة:4]، وقال هودٌ عليه السّلام: (إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]، وقال يعقوب عليه السّلام: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ) [يوسف:67]، وقال شعيبٌ عليه السّلام: (وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88]، وقال مؤمنُ آل فرعون: (وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِلْعِبَادِ) [غافر:44].
فالافتقار إلى الله يمنع عذابِ الله كما قال سبحانه: (قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَـانُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا) [الملك:28، 29].
وفي الافتقار لله، راحة البال واستقرار ودفعُ كيدِ الأشرار، والافتقار لغير الله ظلم وامتِهانٌ للنّفس، وسؤالُ المخلوق للمخلوق سؤالٌ من الفقير للفقير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلَم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" رواه الترمذي.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتوقال ابن تيمية: "ما رَجا أحدٌ مخلوقًا أو توكّل عليه إلا خاب ظنّه فيه".
فالأرزاقُ بيدِ الله وحده، فما كان لك منها أتاك على ضعفِك، وما كان لغيرِك لم تنلْه بقوّتك، ورزقُ الله لا يسوقه إليك حرصُ حريص، ولا يردّه عنك كراهيةُ كاره، والرزقُ مقسومٌ لكلّ أحد من برٍّ وفاجر ومؤمنٍ وكافر، قال عزّ وجلّ: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود:6].
والرزق يساق إلى كافة المخلوقات رغم ضعف كثيرٍ منها وعجزها عن السّعي في طلب الرزق، قال الله تعالى : (وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) [العنكبوت:60].
يقول حاتم الأصمّ: "لمّا علمتُ أنّ رزقي لن يأكلَه غيري اطمأنّ قلبي".
فإذا ضاقت عليك الدنيا ليس عليك إلا أن ترفع يديك وتدعو ربك، قال تعالى، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء) [النمل:62].