يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»، فإذا كان (الضلال) والهدى بيد الله عز وجل، فلماذا يعذب الضال إذن؟.. والمعنى أن العبد هو من يلجأ إلى الله طالبًا الهداية كما يقول في سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وهنا يعود الأمر لرب العالمين، إما يقبل التوبة أو لا، وأيضًا الأمر هنا بيد العبد لأنه لو صدق في توبته وعودته إلى الله، لا يمكن أن يرده الله عز وجل أبدًا.
عن سيدنا أنس رضي الله عنه، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى قال في حديثه القدسي: «إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة»، فتخيل الله يهرول إليك، فكيف به لا يقبل توبتك؟.. فقط كن على يقين من القبول، وصادقًا فيها.
الهدى والضلال
أيضًا قيل في (يُضل من يشاء) أي طريق الضلال ولعياذ بالله، ويهدي من يشاء أي يعرفه طريق الهداية، فقرار الهداية والضلال لاشك هو نابع من الإنسان، وليس مفروضًا عليه، وقيل: يسهل الذنوب لمن يشاء الضلال، ويأخذ بيد من يريد الهداية، فعلى كل حال.. قرار الهداية والضلال يعود على الإنسان نفسه، وليس مرغمًا على ذلك، والله عز وجل يقول: «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم»، هكذا جاء في الحديث الصحيح القدسي.
فالمؤمن والعبد يسأل ربه الهداية والتوفيق والصلاح، ويحرص على أسباب الخير، ويصحب الأخيار هكذا، ويسأل ربه الهداية.. ذلك أن الله وحده هو الذي يهدي من يشاء، أما إذا أصر على الضلال بفعل الشر ومصاحبة أهل الضلال والبغي، فإنه قد يخرجه الله -ولعياذ بالله- من رحماته فلا يتقبل منه أي عمل حتى يعود هو بنفسه إلى طريق الخير.
اقرأ أيضا:
رحمة الله سبقت غضبه .. ما معنى هذا؟مشيئة الله
فالله سبحانه وتعالى هو خالق أفعال العباد، ومن ثمّ فهو الذي يجعل المهتدي مهتديًا ويجعل الضال ضالا، وبالتأكيد لا يمكن أن يقع أي شيء مهما كان في هذا الكون إلا بمشيئته سبحانه، فمعنى يضل من يشاء ويهدي من يشاء، أنه يجعل من يشاء مهتديًا، ويجعل من يشاء ضالًّا، وليس معنى هذا نفي مسؤولية العبد عن أفعاله، بل العبد قد ضل بمشيئته واختياره وإرادته، ولكنه لم يفعل ذلك إلا بمشيئة الله واختياره، كما قال تعالى: «لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (التكوير:29،28).
وعلى كل مسلم أن يعلم أن هذا الإضلال يكون بحجب الله توفيقه عن العبد، وتخليته بينه وبين تلك الذنوب، فإذا خلى الله العبد ونفسه الظالمة أوجب له ذلك أن يختار الضلال على الهدى، فيزيده الله ضلالًا على ضلاله باختياره ما يسخطه سبحانه، ولله في ذلك كله الحكمة البالغة، ففعل الله كله خير، ولا يتطرق الشر إليه بوجه من الوجوه، وإنما الشر في فعل العبد وهو منسوب إليه.