الفرار لغة هو الهروب من شيءٍ إلى شيء، من شيءٍ مخيف إلى شيءٍ آمن، من شيءٍ مزعج إلى شيءٍ مُطَمْئِن .. ومن هنا فليس هناك أجمل من أن يفرَّ المسلم إلى ربه ومولاه لا سيما في هذه الأيام المباركة، فالفرار منزلة الصادقين المخبتين الذين يعشقون الهروب إلى ربهم

ومن ثم فالفرار إلي الله هو منزلةٌ من منازل السالكين إلى الله عزَّ وجل، فرارٌ من الجهل إلى العلم عقداً وسعياً، ومن الكسل إلى التشمير جِدَّاً وعزماً، فرارٌ من الضيق إلى السَعَةِ ثقةً ورجاء، أن تهرب من ضيق الصدر بالهم والغم والحزن والمخاوف التي تعتري الإنسان في هذه الدار، إلى سعة الإيمان وأُفُقِ الإسلام ورحابة طاعة الرحمن.

ما هو الفرار إلي الله ؟ 

وقد ظهر الفرار الي الله واضحا في قوله تعالي :: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ" الذاريات: الأية 50 وهو ما يعني الفرار إلى الله، أي فروا منه إليه، من عقابه إلى جنَّته، من معصيته إلى طاعته، فروا مما سوى الله إلى الله، فروا من الأغيار إلى الله، فروا من الشُركاء إلى الله فرارٌ من الخوف إلى الطمأنينة، من هموم الدنيا إلى التطلع للآخرة

حبر الأمة سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما تطرق إلي معني : «فروا إلى الله»  بالقول أنه يعني بالتوبة، التوبة من ذنوبكم، وقال: «فروا منه إليه فاعملوا بطاعته ولكن هذا التفسير لم يروق كثيرا محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: حين فسر الأمر بأنه توجيه إليهي بالخروج  لمكة.

وكان الحسين بن الفضل رضي الله تعالى عنه يقول: «احترزوا من كل شيءٍ دون الله ،فمن فر إلى غيره سبحانه وتعالى فإن الله قادر على أن يُعيده ويستولي عليه» لأنه كيف نخرج من سمائه، أو من أرضه.

وكان أبو بكر الورَّاق يقول: «فروا إلى الله» يعني أولئك الذين فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن.

اظهار أخبار متعلقة

وذكر السعدي -رحمه الله- في تفسيره أن الفرار يكون: "مِمَّا يكرهه الله ظاهراً وباطناً، إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً، فِرار من الجهل إلى العلم، ومِن الكفر إلى الإيمان، ومِن الْمَعصية إلى الطاعة، ومِن الغفلة إلى ذكر الله، فَمَنْ استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه الْمَرْهُوب، وحَصَلَ له نهاية المراد والمطلوب.

ولابن عطية -رحمه الله- تأويل بديع للفرار قال: " فَفِرُّوا" أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار لِيُنَبِّهَ على أنَّ وراء الناس عقاباً وعذاباً وأمراً حَقُّهُ أنْ يُفَرَّ منه، فجمعت لفظة (فرّوا) بين التحذير والاستدعاء

الفرار من الشيطان إلي الرحمن

ورغم اختلاف الصحابة والتابعين في تفسير الامر فإنه يسير في إطار الفرار من النفس إلى الله، من الشيطان إلى الرحمن، من الجهل إلى العلم، من الفقر إلى الناس إلى الغنى بالله سبحانه وتعالى، كل هذه المعاني في كلمة "فروا إلى الله".

وولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا مفاده  متى نستطيع وبسهولة ويسر أن تفر إلى الله؟ الإجابة في "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" "الفاتحة:1"، لأنك إذا آمنت بهذا استطعت أن تفر إلى الله، كيف لا وقد بدأك بجمال، وانتهى معك بجمالٍ أيضًا.فر إلى الله الجميل الذي يحميك ابتداءً ويسترها معك انتهاءً..

وفي هذا السياق تقفز العديد من الأسئلة وتتمثل في مِمَّ الفِرار؟ وإلى أين الفِرار؟ وكيف يكون الفِرار؟وهو أجوبة تبدو واضحة في  قول الله -تعالى- حكايةً عن الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن غزوة تبوك: "وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم"

اقرأ أيضا:

وتجدونه اي  معني الفرار إلي الله  واضحا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"وتجدونها في قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"

ومن الثابت بحسب اجتهادات الفقهاء وأهل العلم أن هناك ثمرات فضائل عديدة يجنيها العبد المؤمن من وراء  الفرار إلى الله تعالى فهذا الفرار يعد  سببا لرضوان الله- سبحانه وتعالى- والفوز بالجنة والنجاة من النار بل أنه خير ما يعين على ترك المعاصي والبعد عن الشبهات

ومن ثمرات الفرار إلي الله كذلك  أنه سبب في طهارة القلوب وصفاء النفوس بل كونه سببا في البعد عن التكالب على حطام الدنيا واللهث خلف شهواتها والإقبال على الآخرة.