يتكلم الناس أكثر ما يخططون لمستقبلهم، ويفكرون في مشكلاتهم وكيفية حلها، فربما تجد إنسانًا لا يهتم بحاله وسبل السعي وراء رزقه ونجاته بقدر الاهتمام بأحوال الأخرين وترصد أرزاقهم ومشكلاتهم، وعيوبهم، والنميمة عليهم، حتى إنه يفرغ وقته ليس لبحث مشكلته، ولكن للحديث والخوض في مشكلات الأخرين والحقد عليهم وحسدهم، في الوقت الذي لو فرغ فيه وقته لنفسه وصلاح حاله لكان أفضل له وحياته ورزقه.

فالكلام عند بعض الناس مثل شهوة الفرج وشهوة الطعام، يفتن البعض نفسه بهذه الشهوة، بغير حاجة إليها، رغم تحذير القرآن الكريم من خطر الاسترسال في الكلام، ومَغبَّة الوقوع في الآثام؛ والحساب على هذه الآفة اللعينة، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70].

راقب ألفاظك 

وقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

فمدلول الآية الكريمة أن كل لفظ يلفظ به الإنسان لديه رقيب عتيد وعليه حساب شديد، وبالتالي من الاولى أن يتخلى الإنسان عن هذه الكلمة التي لا يجني منها سوى الشوك، ومع ذلك تجده يتمسك بالثرثرة، والسعي وراء عيوب الغير والخوض فيها.

وقد روى الترمذيُّ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسِكْ عليك لسانك، وليَسَعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك)).

 يُبرِز نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ما للسان من مكانة وقيمة، فعقبة بن عامر رضي الله عنه انطلق مسرعًا؛ ليبحث عن النهايات والمصاير، فأرشَده النبي صلى الله عليه وسلم لحفظ مكنونات السرائر، والصمت عن مستودعات الضمائر، وإلا فهو تائهٌ خاسر.

 وكان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، يضع حَصاة في فِيهِ، يَمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه، ويقول: "هذا الذي أورَدني الموارد".

وتأثَّر الربيع بن خُثيم بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3] أيَّما تأثُّرٍ؛ فجَعَل كلامَه ذِكرًا، وصمتَه فِكرًا.

 وقال أحدهم للربيع بن خُثيم يومًا: يا أبا يزيد، ألا تذمُّ الناس؟ فقال: والله ما أنا عن نفسي براضٍ، فأَذُم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس، وأمِنوه على ذنوبهم.

وقال صاحبه واصفًا له: "عِشنا معه ثلاثين سنة، ما سمِعنا منه كلمة تُعاب".

يقول وهب بن مُنبه: "حقٌّ على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مُقبلًا على شانه".

اقرأ أيضا:

رحمة الله سبقت غضبه .. ما معنى هذا؟

السكوت من ذهب

فإذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب" جملة عظيمة قالها لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه، ولا شك أنها وصية عظيمة جليلة لو عمل بها الناس لاستراحوا وأراحوا.

فعن معاذ رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره اللّه عليه: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[السجدة:16] حتى بلغ (يعملون) ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول اللّه قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا رسول اللّه، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم".