ربما يبني الكثير من الناس بيوتًا من المال، ظنًا منهم أنها تضمن السعادة ولمستقبل، وتؤمن حياة الأبناء، إلا أنه ومن المؤكد حال لم تبن هذه البيوت على التقوى سرعان ما تنهار على رؤوس أصحابها، لتصبح مثل العنكبوت الذي يظل زمنًا في نسج بيته، ويجعل له هالةَ غرورٍ هندسيةٍ توهم الناظرَ بمتانة البناء واتساعه، إلا أن حقيقته أنه لا يحمي، ولا يستر، بل سريعًا ما يتداعى بلمسة صغيرة، وربما من نفثة نفَس.
فلا تظن أن المناصب والسيارات الفارهة وكثرة المال، دليل على قوة البيت، فربما لو دخلت هذا البيت ووجدت فساد حال الأبناء وكثرة الشجار بين الزوجين، وربما الخيانة الزوجية بينهم، لأشفقت عليهم، وحمدت الله عز وجل على ما أنت فيه، وعرفت أن فخامةُ الألقاب، ماهي إلا تيجان من الورق، وأن حقيقة أمره الوهن والضعف كما هو حال بيت العنكبوت، بل إن بيت العنكبوت على وهنه أشد منهم، يقول الله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف: 139].
فأعظم الناس خذلانًا من تعلق بغير الله؛ فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات، ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت هو بيت العنكبوت.
كيف نصلح بيوتنا؟
البيت نعمةٌ لا يعرف قيمتَه وفضله إلا من فقده، فعاش في ملجأٍ مُوحش، أو ظلماتِ سجن، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل:80].
ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشرّدهم من ديارهم، فقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر:2]، ثم قال: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر:2].
فالمسلم الواعي العاقل هو من يبني بيته على التقوى، ولا يخرب بيته بيديه، فالمسلم مطالبٌ بإصلاح بيته وأهله، وقد دل الله عز وجل على ما يصلح به المرء بيته وزوجه وأبناءه من خلال عدة أمور تنفيذا لقوله تعالى :"وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا "(النساء9).
فمن المهم أن تتنبه للحقيقة في كيفية بناء البيوت وصلاح أحوالها، قال تعالى: "(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: 109].
2/ تحمل المسؤولية
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تعالى- سائلٌ كُلَّ راعٍ عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
3/كف الأذى
البيت هو مكان حفظ النفس، والسلامة من الشرور، وكفّها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة؛ قال -صلى الله عليه وسلم- : "طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته" رواه الطبراني في الأوسط عن ثوبان، وهو في صحيح الجامع.
4/ طاعة الله
الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصاً في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات.
5/الاهتمام بتربية الأبناء
الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكُبرى لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لَبِنَاتُه، والبيوت تكوِّن أحياء، والأحياء تكوِّنُ مجتمعاً، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعاً قويا بأحكام الله، صامداً في وجه أعداء الله، يشعّ الخير، ولا ينفذ إليه شر.
فالمرأة كما قال -صلى الله عليه وسلم- : "تُنكح لأربع: لمالها، وعسى مالها أن يطغيها، ولِحَسَبِها، وعسى حسبها أن يشقيها، ولجمالها، وعسى جمالها أن يفتنها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، تربت يداك" متفق عليه.
7/ إحياء الدين في بيوتنا بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن
إذا خلت البيوت من الصلاة والذكر صارت قبوراً موحشة، وحياةً ضنكاً، ولو كانت قصوراً مشيدة؛ وبدون ذكر الله والقرآن تغدو البيوت خاملةً ومرتعاً للشياطين، سُكَّانها موتى القلوب وإن كانوا أحياءَ الأجساد.