يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» (الحج:26-35)، فمن هم المخبتين؟.
الواضح من الآية الكريمة أن المخبتين هم المتواضعون الخاشعون المطمئنون لله عز وجل وعبادته وتوحيده، والآية الكريمة مرتبطة بمناسك الحج، ذلك أن الحاج يطمئن تمامًا لله عز وجل، وينشرح صدره لذلك، فيعود كما ولدته أمه.
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (هود:23)، وكأن الله عز وجل يعد هؤلاء بأن مأواهم لاشك الجنة بإذن الله.
الاستسلام لله
إذن المخبت هو المستسلم لله عز وجل في كل قراراته وخضوعه وخنوعه، وإرادته، والمتواضع لعباده، والذي من صفاته كما ذكرها المولى عز وجل: «الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» أي خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده، «وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ» من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره، «وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ» أي الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة، «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ».
وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها.. إذن تنفذ هذه الأمور تكن من المخبتين لاشك.
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهامظاهر التواضع
والمخبتون وصفهم الله تعالى بقوله: «الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» فيظهر عليهم الخوف من عقاب الله تعالى والخشوع والتواضع لله، ثم لذلك الوجل أثران أحدهما: الصبر على المكاره وذلك هو المراد بقوله: «وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ»، وعلى ما يكون من قبل الله تعالى، لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن والمصائب، فأما ما يصيبهم من قِبل الظالمين فالصبر عليه غير واجب بل إن أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة، والثاني: الاشتغال بالخدمة وأعز الأشياء عند الإنسان نفسه وماله، أما الخدمة بالنفس فهي الصلاة، وهو المراد بقوله: «وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ» وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ».
وفي ذلك يقول العلماء إن الله عز وجل أتبع صفة «الْمُخْبِتِينَ» بأربع صفات وهي: وجل القلوب عند ذكر الله، والصبر على الأذى في سبيله، وإقامة الصلاة، والإنفاق، وكل هذه الصفات الأربع مظاهر للتواضع فليس المقصود من جمع تلك الصفات لأن بعض المؤمنين لا يجد ما ينفق منه وإنما المقصود من لم يخل بواحدة منها عند إمكانها.