لاشك أن الخوض في تفاسير القرآن الكريم، كالخوض في غمار المحيطات، فمهما وصل الإنسان، لا يمكنه أبدًا الوصول إلى نهاية علمه وتفسيره، ولمّ لا والمولى عز وجل يقول: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (لقمان 27).
ومن الفوارق الغريبة والعجيبة في القرآن الكريم، الفرق بين كلمتي (جنّة) وجنّت)، إذ تكرر ذكر "جنة" في القرآن الكريم (67 مرة)، وكلها كتبت بالتاء المربوطة، إلا واحدة، وهي في قوله تعالى: «فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)» (سورة الواقعة)، فلماذا وضعت هكذا، وماذا أراد الله من وراء هذا المعنى العظيم؟.
الجهل بالجنة
تخيل عزيزي المسلم، أن المؤمن عندما يؤذن له بدخول الجنة، يدخلها إلى أن يصل منزلته، فيجد فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، ومن ثمّ تكون فرحته وسروره عظيمًا، لكن ماذا يوجد من زيادات في المنازل التي أعلى من منزلته؟ سيبقى يجهل تلك الزيادات من النعيم، مع أنه في داخل الجنة.. أما إن كان من المقربين، فهو في أعلى منزلة في الجنة (في الفردوس الأعلى).
وليس هناك منزلة أعلى من منزلة المقربين، فأصحاب هذه المنزلة قد مروا على كل منازل الجنة، واطلعوا على ما فيها من نعيم .. ولم يبق من نعيم الجنة شيء يجهلونه، فجنة هؤلاء فقط هم الذين كتبت تاء جنتهم مبسوطة (مفتوحة)، ولذلك قال الله عز وجل فيهم: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ).
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهاالراحة الحقيقية
وبناءً على هذا فإن الروح والريحان الإلهيين يشملان كل وسائل الراحة والطمأنينة للإنسان، وكل نعمة وبركة إلهية، وبتعبير آخر (يمكن القول أن الروح إشارة إلى كل الأمور التي تخلص الإنسان من الصعوبات ليتنفس براحة، وأما الريحان فإنه إشارة إلى الهبات والنعم التي تعود إلى الإنسان بعد إزالة العوائق)، وفي رواية عن ابن عباس: أن الريحان: يعني المستريح من الدنيا، ﴿ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾: مغفرة ورحمة.
وقال آخرون: الرَّوح: الراحة، والريحان: الرزق؛ وهو قول مجاهد، وقريب منه قول سعيد بن جبير.. وأما الذين قرؤوا بضم الراء {رُوح}، فإنهم قالوا: (الرُّوح: هي رُوح الإنسان، والريحان: هو الريحان المعروف).. إذن في الجنة درجات، -نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أعلاها- فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس».