للأسف بتنا أسرى لشائعات وحكاوى قديمة عفا عليها الزمن، إلا أنها لازالت موجودة بيننا، فترى البعض يتصور أنه حينما يُقتل أحدهم فإن (عفريته) لاشك سيخرج في ذات المكان ليخيف أهل المنطقة، وهو قول شائع اعتاده الأجداد وتناقلوه، فصدقوه وأنه أمر واقع وحقيقة، وما هو بالحقيقة في شيء.
فقد روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَلاَ هَامَةَ ، وَلاَ صَفَرَ »، إلا أنه كان أمرًا يعتقد فيه الناس في الجاهلية، فجاء الإسلام ليمحوه تمامًا، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : « ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ : أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُولُ : إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِثَأْرِهِ : خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِهِ هَامَةٌ ، وَهِيَ دُودَةٌ ، فَتَدُورُ حَوْلَ قَبْرِهِ فَتَقُولُ : اسْقُونِي ، اسْقُونِي ، فَإِنْ أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ ذَهَبَتْ ، وَإِلَّا بَقِيَتْ».
هامة المقتول
ففي الجاهلية وفي عُرف اليهود أن الرجل إذا قُتل خرجت من رأسه هامة تطالب بالثأر، وقال ابن حجر: (كَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَدُورُ حَوْلَ قَبْرِهِ سَبْعَة أَيَّام ثمَّ تذْهب)، بينما ذكر ابن فارس وغيره من اللغويين أنهم لم يكونوا يعنون كونها مجرد دودة، وإنما الهامة هذه هي طائر من طير الليل، كأنه يعني البومة، فمن مات - بالقتل أو غيره - خرجت روحه من بدنه ، وذهبت إلى ربها ، فإن كان صاحبها من أهل الإيمان تنعمت روحه ، وإن كان من أهل الكفران عذبت روحه ، وإن كان من أهل العصيان ، فالله أعلم بحاله ، فإذا قامت الساعة أعيدت كل روح إلى بدنها ، وبعث الناس ، وقاموا لله رب العالمين ، ينتظرون فصل القضاء.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فليعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم والعذاب . ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى أجسادها وقاموا من قبورهم لرب العالمين».
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهانعيم وعذاب
أما النعيم والعذاب فهذا أمر يعود لعمل الرجل، فإن كان خيرا له، وإن كان شرًا فله، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما : فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة . فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».