كثير من الناس يتصورون أن أصعب الأمور في التوبة، هو الإقلاع عن المعصية، إذ أن كثيرًا منهم يكون قد تعايش معها، وتمتع بها، ومن ثمّ يجد في الإقلاع عنها صعوبة شديدة، كشارب الخمر، تراه يقول لك (أتمنى لو أن أقلع عنها إلا أن الأمر ليس بيدي).
نعم الأمر كله لله، ولكن على الإنسان أن يتخذ خطوات، والله سبحانه وتعالى سيكمل له هذه الخطوات من دون شك، وليعلم الجميع أنه بعد الذنب إذا استغفر العبد غفر الله له وبهذا فهو قد استجمع شروط التوبة، فإذا فعل الذنب مرة أخرى ثم استغفر فقد استجمع شروط التوبة مرة أخرى فى الذنب الثاني وهكذا مع كل مرة يكرر فيها الذنب فلا ارتباط بين ذنبين في التوبة وإن تكرر ألف مرة.
تقوية القلب
أما ما يقوي المؤمن للإقلاع عن الذنب فهو عدم التفكير فى الإقلاع بل التفكير فى الطاعة التي تُذهب المعصية فالحسنات يذهبن السيئات، وكذلك كثرة الذكر تقوي القلب وبالمداومة على الذكر خاصة (لا اله إلا الله) فإنها تزيد الربط بالله فتضعف مع الزمن روابط المعصية، أيضًا بالمُداومة على الفرائض والمأمورات، وخصوصًا الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، فإنها تمنع من الوقوع فيما لا يرضي الله.
قال تعالى: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، فيجب على المسلم ألا يقنت من رحمة الله تعالى بسبب فعله المعاصي والذنوب، مصداقا لقوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ» (الزمر/53-54).
اقرأ أيضا:
هؤلاء اشتروا آخرتهم بدنياهم فكسبوا الدنيا والآخرة.. التجارة مع الله لا تخسر أبدًا هذه فضائلهاالداء والدواء
لكل داء دواء كما يقولون، ومن ثمّ فإن دواء المعصية، الإقلاع عنها، ومن يجد صعوبة في ذلك، عليه أن يعود نفسه على الفرائض والذكر، فإنها من تقوى القلوب، وإن اتقت القلوب صلحت، وإذا صلح القلب، لاشك صلح باقي الجسد، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «إن من يفعل المعاصي يوجد عنده وحشة يجدها العاصي في قلبه وبينه وبين الله لا توازيها ولا تقارنها لذة، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة، وأيضا يحصل النفور الذي يحصل بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد عنهم وعن مجالستهم».