تزكية النفس من المصطلحات التي تطلق ويراد بها عدد من المعاني بعضها مستحسن مرغوب في تحصيله، والآخر مذموم مطلوب الابتعاد عنه.

معنى تزكية النفس:

وتزكية النفس بحسب عموم الإطلاق يراد بها معنيان؛ الأول وهو ان يظهرا من المعاصي ويجملها بالأخلاق ففيه إذا معنى التخلية من أدران النفس البشرية  وما يعتريها من أمراض ثم تأتي مرحلة التحلية بإكسابها حسن الأخلاق، فالتزكية لا تقف عند حد تخليص النفس من عيوبها وذنوبها بل تهدف إلى إيجاد شخصية متنامية وفعالة ومنتجة لا تجمد عند حال: وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {الكهف:24}، قال تعالى: "قد أفلح من زكاها".
وورد في تفسيرها أي من زكى نفسه بطاعة الله ، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة.
فالتزكية بهذا  تطهير للنفس من أدرانها وأوساخها الطبعية والخلقية، وتقليل قبائحها ومساويها، وزيادة ما فيها من محاسن الطبائع، ومكارم الأخلاق.
أما المعنى الثاني فهو من يزكي نفسه بان يرفعها ويمدحها ويتعالى بها على غيرها ففيه من الكبر ما الله به عليم وفيه قال ربنا : فلا تزكوا أنفسكم..".

أهمية تزكية النفس:

وحينما تطلق تزكية النفس والعمل على اعتبار أنها أولوية واهمية يراد بها مباشرة المعنى الأول  حيث إننا مأمورون بمخالفة النفس هواها وإرشادها للطريق الصواب والعمل على تهذيبها واستقامتها ففي هذا النجاة ومهما بلغ العبد من تهذيب لا يمكنه هذا من دخول الجنة فالجنة محض كرم غير ان ما يسعى إليه العبد من تهذيب انفس وسائل وهي لاشك يعتريها القصور ولعل هذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ، قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وقارِبُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، والقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا).

هدي النبي في تزكية النفس:

ولقد كان هم النبي صلى الله عليه وسلم تهذيب النفس وتزكيتها والارتقاء بها من الحيوانية الشهوانية إلى معالي الأمور فما كان يعلمه لأصحابه الطيبين وكانوا أفضل خلق الله وأكثرهم تواضعا لربهم عز وجل: روى الإمام البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه قال: (يا رسولَ اللَّهِ علِّمني دعاءً أَدعو بِهِ في صلاتي. قالَ: قُل: اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ فاغفِر لي مغفرةً من عندِكَ وارحَمني إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ).
وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت والزمام بيده فما دامت على الجادة فلا يضايقها بالتضييق عليها، فإذا رىها مالت ردها بلطف، فإن ونت وأبت فبالعنف".

كيف أزكي نفسي؟

وتزكية النفس على المعنى الأزل المطلوب له شقان تطهيري: يعمل أولاً على معالجة الصفات السلبية لدى الشخص وتيسير سبل معالجة الخطيئة والتوبة منها وإصلاح الآثار الناجمة عن الخطايا، ثم يسعى -في تدابير وقائية- إلى تزويد النفس بالقيم الموجهة والضابطة للسلوك، ويتمثل ذلك في تأكيد الإسلام على (التقوى) وتجنب ما يؤدي إلى سقوط النفس وانحرافها، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.
أما الجانب الآخر فهو نمائي وهو بناء صفات إيجابية في النفس بشكل مستمر والتزكية هنا في بعدها التنموي تعمل على تنمية الشخصية الإنسانية بثروة من القيم الحافزة إلى الخير، وتحقق الغنى الحقيقي للنفس، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس.
وبعد فقد اتضح الفرق بين المعنيين الشائعين لتزكية النفس فالأول مأمورون به وهو السابق ذكره، والثاني هو المأمورون بالابتعاد عنه لمن يتعالى على خلق الله بعمله ويظن ان على شيء ويمدح نفسه ويعليها ويرفعها عن درجتها وبهذا يرديها وهو الوراد فيه النهي عن تزكية النفس لأن الله أعلم بمنا تقى.