لا يتصور أن يقع من المؤمن كذب .. نعم الكذب خطيئة لكنها مستبعدة في حق المؤمن لبشاعتها وخطورتها وضررها على الفرد والمجتمع، وفي الحديث عن صفوان بن سليم أَنَّهُ قَالَ : " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا).
فضيلة الصدق:
ولأن الصدق فضيلة عظيمة فقد رفع الإسلام قدره وبوأه مكانة علية بين خيره من الأخلاق السامية لأنه استواء السريرة والعلانية وأن يكون الباطن مثل الظاهر، وهو نقيض الكذب، الذي لا يقبله الإسلام على المسلم، والأَمانَةُ هي أداء الحقوق والمحافظة عليها، وهي نقيض الخيانة التي لا يقبلها الإسلام للمسلم، ويمكن القول إن الصدق جزء من الأمانة، والصدق والأمانة ليسا في القول أو الحقوق فقط، لكنهما يجب أن يكونا مع الله والنفس والخلق وفي النيات والأعمال، قال تعالى: (يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) (التوبة: 119).
الصدق وصية النبي لأمته:
ولقد جث النبي عليه وبين جزاءه وحذر من الكذب وبين عقابه في حديث جامع قال فيه: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".
بل لقد مدح الله سبحانه نبيه إسماعيل لصدق وعده؛ إذ إن صدق الوعد والوفاء بالعهد خلق عظيم وصفة كريمة تدل على شرف النفس وقوة العزيمة، قال تعالى وَٱذكُر فِي ٱلكِتَٰبِ إِسمَٰاعِيلَ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلوَعدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّا) (مريم: 54)، كما أمرنا الله بأداء الأمانات إلى أهلها، قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ...) (النساء 58)، وجعل الرسول الأمانة دليلًا على إيمان المرء وحسن خلقه، فروي عنه صلى الله عليه وسلم، قوله: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، بل أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة مع جميع الناس، وألا نخون من خاننا، فروي عنه صلى الله عليه وسلم، قوله: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خانك"، وانتفاء الصدق والأمانة علامة من علامات النفاق، روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قوله: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان".
الصدق يعكس معدن الإنسان:
ومما يفيده الصدق لصحابه أن يبين فطرة المسم النقية ويظهر جميل معدنه وأصله فالصدق كما الأمانة يكشفان عن معدن الإنسان وحُسن سريرته وطيب سيرته، وهما أدق ميزان لرقي أمة من الأمم وإخلاص أفرادها في أقوالهم وأعمالهم، وإنها لأزمة كبيرة تلك التي يعاني منها الناس في تعاملاتهم عندما يفتقدون الثقة فيما بينهم نتيجة فقدهم لقيم وخُلق الصدق والأمانة.
أبشع صور الكذب:
ولو تصورنا جدلا وقوع الكذب من مسلم فإنه لا ينبغي أن يقع في أبشع صوره وهي الكذب على الله فهو أسوأ أنواع الكذب.
والكذب على الله مثل أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب، أو أن "يتعمد " تفسير كلام الله بغير ما أراد سبحانه، اتباعًا لهواه أو إرضاء لمصالح أو غير ذلك، قال تعالى:(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر60)، ثم يأتي في الدرجة الثانية الكذب على رسول الله وروي عنه صلى الله عليه وسلم، قوله في ذلك:" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".. وكل هذا ينبغي أن يتنزه عنه المسلم.