الرفق واللين بحسب العديد من اهل العلم والفقهاء يعني التحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها، وحَملٌ لها على الصبرِ والتحمُّل والتجمُّل، وكفٌّ لها عن العنف والتعجُّل، وكظمٌ عظيم لما قد يلقَاه من تطاوُل في قولٍ أو فعل أو تعامل.
ومن ثم فالرفق هو لين الجانب، ولطافةُ الفعل، والأخذُ بالأيسر والأسهل، وأخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسرِ مسالكها بل أن الرفق واللين هو رأس الحِكمة، ودليل كمالِ العقل وقوّة الشخصية والقدرةِ القادرة على ضبطِ التصرّفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التديُّن الصحيح. فيه سلامةُ العِرض، وصفاءُ الصدر، وراحةُ البدن، واستجلاب الفوائِد وجميلِ العوائد، ووسيلةُ التواصل والتوادّ وبلوغِ المراد.
ويعرف الرفق كذلك بأنه هو سلوك اللين في التعامل مع الناس وأختيار الأقوال والأفعال التي تتناسب في الحديث مع الناس وتجنب استعمال الشدة إلا إذا لزم الأمر، والرفق أيضاً له العديد من الأنواع ومنها الرفق مع النفس والرفق مع الأهل والأقارب والرفق مع جميع الأصدقاء والرفق يكون حتى مع الأعداء أو الخصوم
كما أن الرفق واللين صفتان كريمتان، وخلُقان جميلان، فيهما سَلامةُ العِرض، وراحةُ الجسَد، واجتلابُ المحامد. خلُقٌ من أشهَر ثمارِ حُسن الخلق وأشهاها، ومن أظهر مظاهِر جميل التعاملات وأبهاها، خلُقٌ يقول فيه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه، وَمَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه"، إنه الرّفقُ..
وبالتالي فما أحوج المسلم إلى الرفق في قوله وفعله، في سلوكه ومعاملته، مع أهله وأقاربه، مع أصدقائه وأحبابه، مع الصغار والكبار، مع الذكور والإناث، مع الإنسان ومع سائر الكائنات ما أحوجنا إلى الرفق واللين؛ في زمن كثرت فيه مظاهر العنف والقسوة والغلظة والجفاء، في البيوت والشوارع والأسواق والمؤسسات والملاعب والأندية، وغير ذلك من الأماكن العامة والخاصة...
ومن المهم الإشارة هنا إلي أن اللين والرفق خلقان ينبغي أن يكون عليهما المؤمن في تعامله وخلقه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ».
لذا فالرفق واللين في الأمور كلها من شأنه أن يُصلح ويعطي أفضل النتائج، بخلاف العنف فمِن شأنه أن يفسد ويعطي أسوأ النتائج، فمن أعطي الرفق فقد أعطي خيرا كثيرا، ومن حرم من الرفق فقد فقدَ خيرا كثيرا. وحسْب المسلم أن يعلم أن الرفق من صفات الله تعالى العليا التي أحبها لعباده في الأمور كلها:
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحدث كثيراً عن أهمية الرفق حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله”، وأيضاً في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إلا شأنه
وهذا الحديث " إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" يعني أن ربنا عزَّ شأنه رفيق بخلقِه، رؤوف بعباده، كريم في عفوه، رفيقٌ في أمره ونهيه، لا يأخذ عبادَه بالتكاليف الشاقّة، ولا يكلفهم بما ليس له به طاقة؛ قال سبحانه: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " "التغابن:16"، " لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا " "البقرة: 286"، " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا " "الطلاق: 7"، " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " "البقرة:185"، " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " الحج: 78
وفي هذا السياق قال ابن القيم رحمه الله :"من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمَهمْ رحمَه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه"
وبعد هذا الاستعراض يجدر بنا الإشارة إلي فوائد الرفق واللين فما طريقان موصل إلى الجنة ودليل كمال الإيمان وحسن الإسلام فضلا عن أنهما يثمران محبة الله ومحبة الناس وينميان روح المحبة والتعاون بين الناس
ومن فوائد ومناقب الرفق واللين كذلك أنهما يعدان دليلان على صلاح العبد وحسن خلقه بالإضافة إلي أنه بالرفق ينشأ المجتمع سالما من الغل والعنف كما أنهما عنوانان لسعادة العبد في الدارين مع التشديد علي الرفق ينتج منه حسن الخلق وبالرفق ينال الخير..
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلولا يغيب عنا في هذا السياق الإشارة إلي أن الرفق بالحيوان في إطعامه أو ذبحه من مظاهر الإحسان بل أن الرفق دليل على فقهه وأناته وحكمته في إشارة إلي مناقب الرفيق اللين