كثير منا في بعض الأوقات يلح عليه شيطانه بالنظر إلى امرأة أخرى، والرغبة في الزواج مجددًا، بالرغم من صعوبة الظروف، وضيق الحال، وبالرغم من حقوق الزوجة، وعدم كسر قلبها، بعد أن وقفت بجانبنا في أحلك الظروف وأصعبها وصبرت على ضيق الحال معنا، وقامت على تربية أبنائنا، واضطرت إلى النزول إلى العمل من أجل مساعدتنا والإنفاق على مطالب الأسرة من احتياجات البيت والأبناء.
إلا أن بعضنا دائمًا ما يستجيب إلى شيطانه، ويبدأ في التفكير بالنساء، فتارة يفكر في الزواج من زوجة أخرى بالسر، وتارة يدخل في علاقة محرمة مع نساء، الأمر الذي يفجر في وجهه خراب بيته، ويغير عليه زوجته، ويفتح به النار على نفسه، بعد أن تمرد على نعمة الزوجة الصالحة التي وهبها الله له، وجعلها سندًا له ولتربية أبنائه.
وعلى الرغم من التعدد غير محرم في الشريعة الإسلامية، فلو تزوج رجل بامرأة على زوجته فهو لا يحمل إثمًا لأنه فعل حلالا أحله الله له، ولكنه بفعلته قد تخلى عن وفائه ونبله، وأعرب عن أنانيته وكشف عن غدره، وهذا ما نهى الإسلام عنه، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي تمسك بوفائه للسيدة خديجة التي نصرته وأيدته وأحبته، فلم يتزوج عليها وهي حبه الأول وشريكة حياته الأولى التي شاركته هموم دعوته، وأول من بشرته بنبوته ورسالته.
فقد أمرنا النبي صلى الله عليهوسلم بالوفاء مع الغير من الناس، فكيف حال الزوجة التي صبرت وعاشرت بالمعروف.
اظهار أخبار متعلقة
خيانة الزوج
لذلك من أثار خيانة الزوجة وعدم الوفاء لها وخيانتها، محق البركة من البيت، وتغير سلوك الزوجة والأولاد وحتى السيارة التي توصلك إلى عملك، فقد تتعطل كل يوم في الطريق نظرا لخيانتك، وهذا أمر غير مبالغ في تقديره، لأنك محقت بركة الوفاء وبركة العشرة الطيبة مع أهل بيتك.
فمن آثار المعصية أن تُصيبك وحشة وسط عائلتك، فالعاصي يشعر بالغربة عن الناس رغم أنه يعيش وسط عائلته كما يُلقي الله كراهية العاصي في قلوب المؤمنين يقول الإمام الشافعي : ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين، وهو لا يشعر، فقيل له : فكيف تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر؟ فقال : يعمل بمعصية الله، فيلقي الله كراهيته في قلوب المؤمنين.
ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك من خلق حماري وخادمي".. وكذا نسبها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية للفضيل بلفظ: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي.
فليس هناك أعظم من معصية الزنا أو ارتكاب فاحشة التعلق بالنساء والارتباط بهن في الحرام، وعدم الوفاء بالزوجة، فعقد الزواج هو اللبنة الأساسية التي يتكون منها المجتمع، ولذا وصفه الله تعالى بأنه ميثاقٌ غليظ؛ فقال سبحانه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةميثاق غليظ
فبما بين الزوجين من عقد وميثاق غليظ، تدوم النعمة، ويستمر الوفاء، وتستمر البركة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن يكونوا أصحابَ دورٍ إيجابي في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، كُلٌّ على قدر وسعه وطاقته، والأمرُ بالمعروف والنصحُ به من الأوَّليات التي يُبنى عليها المجتمع الصالح، وأولى الناس بالنصح هم الأقربون، وصلة الزوج بزوجته من أقرب الصِّلات الإنسانية؛ حتى وصفها الله تعالى بقوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187].
وتلك الصلة وذاك القرب إنما يستوجبان الرغبة في الإصلاح والنجاة، لا النفور والامتعاض والإعراض، ولذا حثَّ الشرع الشريف على أمر الأهل بالصلاة والصبر على ذلك حتى يمتثلوا بها، كما أمر بالعمل على وقايتهم من النار كما هو العمل على وقاية النفس منها؛ فقال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6].
وعَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: ﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾؛ قال: "عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ".
ومن تمام هذه المسؤولية خاصة في مسألتنا: صبر الزوجة على زوجها إن كان عاصيًا، ودعوته إلى طاعة الله تعالى، ونصحه وترغيبه في ذلك برفق وتلطف دون مخاصمة أو كثرة جدال، وترك التقصير في حقوقه بسبب معاصيه، كيلا تكون بذلك دافعة إياه إلى ارتكاب المزيد من المعاصي، خاصة إذا تعلق الأمر بالحقّ في المعاشرة الزوجية.
وقد أثنى الله تعالى على نساء صبرن على طغيان أزواجهن والجهر بمعصيتهم لله تعالى مع نصحهن لهم، حتى جعل سبحانه ذلك من أسباب فوزهن بالجنة؛ فقال جلَّ شأنه: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم: 11].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» متفق عليه.
وجاء في الأثر: "مَنْ صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَى بَلَائِهِ، وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ مِثْلَ ثَوَابِ آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ" .
وقد ربط الشرع الشريف حق الاستمتاع بالمرأة بأداء مهرها والإنفاق عليها، لا بطاعة زوجها لله تعالى أو معصيته له، فإذا منعها حقها من النفقة؛ كان لها الامتناع عن حقه في المعاشرة الزوجية والاستمتاع بها.
فالله تعالى لم يبح لمخلوق أن ينتقص من حق الآخر عليه بدعوى عصيانه لله تعالى أو نقصان طاعته، ما دام قد ثبت له هذا الحق بداعي الشرع أو العرف؛ إذ إن طاعة العبد أو عصيانه لله تعالى إنما يعود نفعها وأثرها إليه لا إلى غيره؛ كما قال تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء: 15].
ولا يخفى ما في الانتقاص من حقوق العباد الواجبة لهم حال عصيانهم لله من محاسبتهم ومعاقبتهم بما لم يأذن به الله؛ بل إنه عزَّ وجلَّ قدَّم حق العباد على حقه إذا تزاحمت عليهم الحقوق، فكيف يجوز للزوجة أن تعلق حقّ زوجها عليها بحق الله عليه، وقد تقرَّر أنّ حقوق العباد مبينة على المشاحة والمطالبة؛ فلا تسقط إلا بالتنازل أو الاستيفاء، وحقوق الله تعالى مبينة على المسامحة ورفع الحرج.
فعلى الأزواج والزوجات أن يتعلموا الوفاء من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم وفيا للسيدة خديجة رضي الله عنها في حياتها، وبعد وفاتها، يذكر أعمالها وأخلاقها، وعهدها، وأنها التي آثرته ورغبت فيه، وهي أول من صدقه وآمن به، وهي التي ثبتت فؤاده وقوت عزيمته، وكانت البلسم الشافي لآلامه وأحزانه وواسته بمالها، وهي التي رزق منها الولد، وحفظت عهده وغير ذلك الكثير .
وقد قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاءها بوفاء أعظم منه، فكان من وفائه لها، الحزن الشديد على فراقها، ويصرح بحبه لها بعد وفاتها، وكان يكثر من ذكرها، فيذكر محاسنها وإيمانها وتصديقها، وثباتها وتثبيتها، وأخلاقها الفاضلة، والتزامها وحسن عشرتها .
وكان يبر صديقاتها ومن يحبها، ويهتم بهن حتى بعد وفاتها، يذبح الشاة ثم يرسلها إليهن، ومن وفائه لها أنه أكرم امرأة زارته بعد وفاتها، لصداقتها بها وفاء لعهدها .