يزيد الإيمان حينا وينقص حينا أخر، وذلك بحسب ما يمر الإنسان من أحوال نفسية وابتلااءت، أو رحمة وخير ينعم الله به عليه، قال تعالى في سورة "الروم": " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36).
و دلّت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا ما عليه الصحابة، لذلك يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص.
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول لأصحابه: هلموا نزدد إيمانًا، فيذكرون الله عز وجل.
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانًا، ويقينًا، وفقهًا.
وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟وقال تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}.
وقوله تعالى{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }.
وقوله تعالى { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانآ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانآ وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } .
وقال تعالى {وهو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } (9)
فالتدين أصيل في النفس الإنسانية، والفطرة هي المحرك الأساسي الذي دفع الإنسان عبر العصور للبحث عن خالقه ورازقه، فالتدين الذي عاشته الأمم على مر التاريخ هو مظهر من مظاهر هذه الفطرة التي ولَّدَت في الإنسان دائمًا الشعور بالقوة العليا التي خلقته وخلقت العالم كله، ولا زالت تدبر شئونه وفق الحكمة والإرادة، فتعلق الإنسان بها لكي تدفع عنه عوادي الزمن وتجلب له الخير في الحياة.
وما حدث للإنسان من ابتعاد عن الله تعالى أو إشراك به فهو انحراف في الطريق وخطأ في الأسباب راجع إلى عوامل كثيرة؛ ولذلك مَنَّ الله تعالى على الناس بإرسال الرسل لتوجيههم إلى الطريق المستقيم.
والفطرة هي البوصلة، ومعناها أن الإنسان يُولَدُ مُلْهَمًا طريقَي الخير والشر؛ كما قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7-8]، مستعدًا لقبول الحق، ينسَاق إليه بأدنى تأمل، ويصل إليه بأقرب نظر، فيهفُو إلى خالقه، ويتعلق به، ويتقرب إليه.
والقرآن الكريم يأخذ بيد الإنسان لكي يعود به إلى الفطرة السليمة التي خُلق عليها؛ قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]، وفي "صحيح الإمام مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ»، والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام إذا لم تدخل عوامل الإفساد في حجبه عن فطرته.
وليس أبدع من تصوير القرآن الكريم أثر الفطرة السليمة في الاهتداء إلى الحق بهذا البيان الرائع في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه، وهو يوقظ في نفوسهم هذه الفطرة؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۞ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ۞ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 75-79].