يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» (الزخرف : 84)، وهي آية عظيمة، لكنها محيرة جدًا، ذلك أن هناك قاعدة فى النحو تقول : ( إذا تكررت النكرة مرتين كانت اﻷولى غير الثانية )، بمعنى: لو قلنا مثلاً: (أكرمت رجلاً في البيت ورجلاً في الشارع)، لكان الرجل الذي في البيت، غير الرجل الذي في الشارع، فالنكرة هي "الكلمة من غير ألف ولام" فإذا تكررت اختلف المعنى، والله يقول : ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ﴾
جاءت نكرة وتكررت.. إذن على حسب القاعدة النحوية، اﻹله الذي فى السماء، غير اﻹله الذي فى اﻷرض، أي أن هناك إلهين ؟، فكيف ذلك؟.
معنى الآية
بالتأكيد هناك إله واحد في الأرض والسماء، هو الواحد الأحد الصمد، ولكن كيف يتم تفسير هذه الآية العظيمة؟.. الحقيقة أن من يقرأها ينسى الاسم الموصول ( الذي ) ، بل وينسى القاعدة اﻷهم التي تقول : أن الإسم الموصول يقلب النكرة معرفة، والله قال : ( وهو الذى في السماء ) ولم يقل : ( هو في السماء )، بل قال : ( هو الذي )، فلماذا ننسى كلمة ( الذي )؟، أما الجار والمجرور في قوله (فِي السَّماءِ) (وفِي الْأَرْضِ) متعلق بلفظ إِله، لأنه بمعنى معبود أو بمعنى مستحق للعبادة.
وهذا اللفظ الكريم خبر مبتدأ محذوف، أى: هو إله، أى وهو سبحانه وحده المعبود بحق في السماء، والمعبود بحق في الأرض، لا إله غيره، ولا رب سواه، وهو عز وجل الْحَكِيمُ في كل أقواله وأفعاله الْعَلِيمُ بكل شيء في هذا الوجود، فالآية الكريمة تدل على أن المستحق للعبادة من أهل السماء ومن أهل الأرض، هو الله تعالى، وكل معبود سواه فهو باطل.
اقرأ أيضا:
انتبه.. قد تعق أبويك وأنت لا تشعر .. هذه أهم صور بر الوالدينالنكرة والتعدد
إذن، بما تقرر من أن المراد بكلمة (إله)، هو المعبود، فقد يفهم البعض أن هذا يعني تعدد الآلهة، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة تعددت، كقولك: أنت طالق وطالق، وإيضاح هذا اللبس ، أن الإله بمعنى المعبود، وهو تعالى معبود فيهما، والمغايرة إنما هي بين معبوديته في السماء، ومعبوديته في الأرض، لأن المعبودية من الأمور الإضافية فيكفى التغاير فيها من أحد الطرفين.
فإذا كان العابد في السماء غير العابد في الأرض، صدق أن معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض مع أن المعبود واحد، وفيه دلالة على اختصاصه تعالى، باستحقاق الألوهية، فإن التقديم يدل على الاختصاص.
وروي أن الفاروق عمر بن الخطاب قرأ هو وابن مسعود رضي عنهما وغيرهما ( وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله ) وهذا خلاف المصحف، وقيل ( في ) بمعنى على ، كقوله تعالى : (وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي على جذوع النخل ، أي : هو القادر على السماء والأرض.