خلق الله الإنسان وحذره من الشيطان والهوى والميل للدنيا فهذه الثلاثة سبب شقائه وبعده عن وعلى المسلم الواعي أن يبتعد عن طريق الغواية والشهوات التي إن سار في طريقها لاقى خسارا ووبالا.
عبدة الشهوات:
من ترك طريق الله وفضل طريق الشهوات وما يريد فهو إذا ليس عبد لله بل لعبد لهواه وهذا الصنف من الناس ذكرهم الله تعالى في القرآن حين قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية: 23)، فهذا الذي اتخذ دينه هواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف ربه، ولا يحرم ما حرم الله ولا يحل ما أحل الله، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به.
كما قد أشار إليهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحيث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ".
فهؤلاء لا يريد صلاحا ولا إصلاحا ولا يريدون خيرا بل كل همهم أن يحصلوا ما يريدون من متع الدنيا الفانية وشياطين الإنس والجن تغريهم بما هم فيه وتمنيهم قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}(النساء:27). قال ابن كثير رحمه الله: (أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة ( أن تميلوا ) يعني : عن الحق إلى الباطل ميلا عظيما).
لزوم الشهوات طريق النار:
النار أحفت بالشهوات والجنة بالمكاره ولهذا فمن لزم طريق الشهوات فهو سائر في طريق الشيطان والغواية وفي هذا يقول الشافعي رحمه الله: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا.
ويقول قتادة- رحمه الله تعالى-: إنّ الرّجل إذا كان كلّما هوي شيئا ركبه، وكلّما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتّخذ إلهه هواه.
من ترك الصلاة لزم الشهوات:
ومعلوم أن من ترك عبادة الله وعونه ودعاءه كلما اقترب من الشهوات لاسيما ترك الصلاة التي هي أم العبادات ورأس وعمود الإسلام وأول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}(مريم:59). وإذا أضاعوا الصلاة فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد - وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيًا، أي: خسارًا يوم القيامة.
مجاهدة النفس:
فالعبد المؤمن هو الكيس الفطن الذي يدرك مراد الله ويقاوم هواه ويجاهد نفسه ويصبر عل طاعة الله ويقدم طاعة اله على ما سواه رغبة فيما عند الله تعالى قال تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69).
وقد ورد في تفسير: (والذين جاهدوا فينا) يعني: الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين (لنهدينهم سبلنا) أي: لنبصرنهم سبلنا، أي: طرقنا في الدنيا والآخرة.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد - من أهل عكا - في قول الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) قال : الذين يعملون بما يعلمون ، يهديهم لما لا يعلمون . قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه ، وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه في الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في نفسه.