في ظل الأجواء المرتبكة التي نعيشها جميعا، وفي ظل حالة التوتر التي نحيا في ظلها، نتيجة عدم الاستقرار في العمل، أو البحث عن وظيفة، أو الجمع بين وظيفتين والعمل لساعات طويلة تزيد عن 16 ساعة في اليوم، يحتاج الإنسان إلى نوم هادئ ومريح، بدون تفكير في المشكلات التي يتعرض لها في يومه، وبدون أرق بسبب الظروف المالية الصعبة، وبدون خوف نتيجة الضغوط النفسية التي نتعرض لها جميعا.
فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم عددا من السنن التي أوصى بها قبل الذهاب للفراش من أجل الاستمتاع بنوم هادئ وهانئ، فلا تفرط في هذه النصائح، خاصة وأنها المنقذ الوحيد والروشتة السحرية لحل مشكلات النوم، والتخفيف من الضغوط العصبية نتيجة التفكير في المشكلات الحياتية ونحن على الفراش.
فالهم جند من جنود الله، إذا تسلط على عبد لم ير راحة أبدا في نومه، فلا يزال يفكر في مشاكله حتى يطير النوم من عينه، ويعتليه الحزن، والاكتئاب، فكيف تنجو من الهم حين تذهب إلى الفراش؟.
هناك سنن نبوية أوصى بها االنبي صلى الله عليه وسلم قبل النوم وأهمها هي:
1) إغلاق الأبواب عند النوم.
لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشرابَ».
والعِلَّة من الأمر بإغلاق الأبواب: منع الشياطين من الدخول، كما تقدَّم في حديث جابر رضي الله عنه الآخر: «وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، فَإنَّ الشيطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً».
2) إطفاء النار قبل النوم.
لحديث جابر رضي الله عنه السَّابق، وفيه: «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ».
وأيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ».
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قَالَ: «إِنَّ هذِهِ النَّارُ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ».
والعِلَّة من الأمر بإطفاء النار قبل النوم: جاءت في حديث جابر رضي الله عنه في رواية البخاري قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ».
و(الفويسقة): هي الفأرة، وهي من الفواسق الخمس، اللاتي يُقْتَلن في الحِلْ والحَرَم، فربما تَجُر فتيل المصباح، ثم تحرق على أهل البيت بيتهم، وعليه يُقاس أي شيء يكون سبباً في جرِّ الحريق لأهل البيت، فيُحترز مثلاً من الأشياء التي ربما تؤثر على وسائل التدفئة؛ لقربها منها، فتكون سبباً في اشتعال الحريق ونحو ذلك؛ لأنَّ العِّلَّة واحدة، والنار عدوٌّ كما أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
بناءً عليه: لو أَمِن النائم هذه النار، وأنها لن تؤثر، وليس حولها ما يسبب انتشارها، فلا بأس حينئذ من إبقائها؛ لأنَّ الحكم يدور مع عِلَّته وجوداً، وعدماً.
وقال النَّووي رحمه الله: «قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ»، هذا عام تدخل فيه نار السـراج وغيرها، وأمَّا القناديل المعلَّقة في المساجد، وغيرها فإن خِيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أُمِن ذلك كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها؛ لانتفاء العِلَّة؛ لأنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن (الفويسقة) تضـرم على أهل البيت بيتهم، فإذا انتفت العِلَّة زال المنع».
3) الوضوء قبل النوم.
لحديث البَرَاء بن عازب رضي الله عنه أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَة، ثُمَّ اضْطَجِعُ علَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ».
قال النَّووي رحمه الله: «فإن كان متوضئاً كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه، وترويعه إياه».
4) نفض الفراش قبل الاضطجاع عليه.
فمِن السُّنَّة قبل النوم أن ينفض من أراد النوم فراشه بداخلة إزاره ثلاث مرات، ويسمِّ الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي».
وفي رواية: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّات".
وفي صحيح مسلم : «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللّهَ»، وداخلة الإزار، وكذلك صنفة الثوب، هي: طرفه الداخل الذي يلي الجسد.
فمِمَّا تقدَّم، يتبيَّن أنَّ السنَّة نفض الفراش بداخلة الإزار ثلاثاً، والتسمية عند النَّفض.
وفي الحديث بيان الحكمة من النَّفض، وهي: قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ»، فربما خلفه على فراشه ما يؤذيه.
والأفضل أن يكون نفضه بداخلة الثوب، ومن أهل العلم من قال بأي شيء، وأهم شيء أن ينفض الفراش، ومنهم الشيخ ابن جبرين رحمه الله، حيث قال: «وليس شرطًا استعمال داخلة الإزار، بل لو نفض الفراش كله، أو نفضه بعمامة أو نحوها، حصل المقصود».
5) النوم على الشِّقِّ الأيمن.
6) وضع يده اليمنى تحت الخَّد الأيمن.
ويدلَّ على هاتين السُّنَّتين: حديث البَراء بن عَازِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَة، ثُمَّ اضْطَجِعُ علَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ».
وحديث حذيفة رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ...»[15]. وعن البَراء رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ».
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسنات