آخذًا على عاتقه القيام بمبادرة شخصية لجمع النسخ التالفة من المصاحف وإعادة ترميمها، يعمل الأردني محمد العياصرة في المحافظة على المصحف الشريف منذ 53 عامًا.
وأطلق العياصرة (75 عامًا) مبادرته منذ عام 1970 بمسقط رأسه بمدينة "ساكب" التابعة لمحافظ جرش شمالي البلاد في مكان لا تتعدى مساحته بضعة أمتار مربعة. وقد أنجز حتى اللحظة ترميم نحو 200 ألف نسخة مصحف.
وعلى الرغم من تقدمه بالسن، يجد العياصرة متعته في عمله منهمكًا لنحو 12 ساعة يوميًا وممسكًا بعشرات النسخ من المصاحف ليقوم بإعادة ترميمها وتوزيعها مرة أخرى محليًا وخارجيًا.
"أبو زكريا" وهذه كنيته، لم يكمل تعليمه الجامعي في علوم الدين أو ما شابه ليحمل في قلبه كل تلك المشاعر للمصحف، فكل تحصيله هو مرحلة الصف السابع التي أنهاها عام 1966 ثم خدم في الجيش إلى حين بلوغ سن التقاعد.
يُقال إن "وراء كل رجل عظيم امرأة"، لكن أبو زكريا كان مدعومًا بزوجتيه اللتين وقفتا إلى جانبه منذ بدء عمله في ترميم المصاحف، قبل أن ينضم إليه 16 من أبنائه وبناته، حاملين مع والدهم مسؤولية الحفاظ على المصحف الشريف.
اقرأ أيضا:
ما المسجد الأقصى.. ولماذا يدافع المسلمون عنه؟كيف بدأت الفكرة؟
ونمت فكرة ترميم المصاحف القديمة في أذهان العياصرة عام 1970 عندما رأى ورقة فيها كتابة عربية ملقاة بمنطقة قذرة، فاشمأز من المنظر ودفعه اعتزازه بلغة القرآن إلى القيام بمبادرة لإصلاح الكتب القديمة حتى لا تكون عرضة للرمي.
ومنذ ذلك الوقت، قال العياصرة: "صرت أجمع الكتب والمصاحف التالفة من جميع أنحاء المملكة، وأنشأت لها مكتبة تحتوي على 150 رفا، وأقوم بعمل فرز لها حسب حالتها".
وأوضح: "أقوم بإتلاف ما لا يمكن إصلاحه بطريقة شرعية وخاصة المصاحف، فلدي بيت نار يتسع لـ 6 آلاف نسخة، وبعد أن تتحول إلى رماد أقوم بدفنها في منطقة نظيفة حتى لا تُداس بأرجل الناس".
ويقوم المبادر الأردني بتوزيع الكتب التي يعيد ترميمها مجانا لمحبي القراءة والمطالعة، أما المصاحف الشريفة فقام بتصديرها للدول الإفريقية بنحو 21 ألف نسخة بالتنسيق مع جمعيات محلية خيرية".
وذكر العياصرة أنه أعاد ترميم وتوزيع 200 ألف نسخة مصحف، كاشفًا أنه يقوم حاليا بحملة لجمع وإصلاح 10 آلاف مصحف وإرسالها لجنوب إفريقيا.
ويحكي العياصرة عن مراحل جمعه للكتب والمصاحف القديمة وطريقتها، ويقول: "كنت أتجول بسيارتي الخاصة في جميع المحافظات قبل أن أحصل على أخرى جديدة من الملك عبد الله الثاني قبل عامين للمساعدة في هذا المشروع الكبير".
وحول الأماكن التي يعثر فيها على النسخ التالفة، لفت بأنها "حاويات النفايات وجنبات الشوارع أو عبر اتصالات من أشخاص أو جهات معينة".
وتبدأ مراحل تقييم النسخ التالفة من المصاحف عند العياصرة من الغلاف ثم التأكد من عدم نقصان الأوراق بالداخل وسلامتها التامة، ويقوم بأداء مهام هذه المرحلة بالاستعانة بأبنائه وأحيانا يستعين بآخرين.
ينفي المبادر الأردني جني أي فائدة مادية من ترميم الكتب القديمة، ويقول: "لا فائدة مادية تذكر، وكل ما أريده خدمة القرآن الكريم، والرد على من يحاولون إهانته، ولأقول لهؤلاء إن هناك رجال جندوا أنفسهم لتكريم القرآن".
واعتبر العياصرة أن "من يحرق المصحف الشريف يقوم في الحقيقة بعمل إرهابي فهو يريد إحداث فتنة وكسر خواطر المسلمين والمجتمعات المسلمة".
فكرة قابلة للتطبيق
وأطلق العياصرة على مبادرته "صرخة عامل وطن (عامل النظافة)"، مبينًا أن "الهدف من هذه التسمية هو لفت اهتمام الناس للفكرة التي بدأت بجمع الكتب التالفة من حاويات النفايات".
وتتيح المبادرة الاطلاع على الكتب المرممة مجانًا، أما المصاحف يعاد توزيعها إلى الدول الإفريقية التي يعاني المسلمون فيها من نقص المصاحف.
تكاليف الترميم ليست بالغالية، وفق ما يرى العياصرة، فهي "300 دينار أسبوعيًا وقود للسيارة (422 دولار أمريكي) و75 دينار (105 دولار) أجرة المكان، و70 دينار (98 دولار) مواد لاصقة".
وذكر العياصرة: "هذا ما يؤكد أن فكرتي هي خدمة المصحف الشريف وهو أمر متاح لمن يريد ذلك خاصة أن الكلفة ليست كبيرة".
وختم بالقول: "أعمل 12 ساعة يوميا وعلى مدار الأسبوع وبمعدل 100 ساعة أسبوعيا دون كلل أو ملل".