تحقيق الأحلام لايرتبط بعمر أو سن محدد، والإنسان مأمور بأن يعمل حتى آخر لحظة في عمره ما دام يمتلك القدرة على ذلك، فكم من أشخاص سعوا بكل جهد وعزم وإرادة على تحقيق أحلامهم في سن كبير، وقدموا نموذجًا فريدًا في الدأب والاجتهاد.
من هؤلاء الذين سطروا اسمهم بحروف من نور، السيدة آمال إسماعيل متولي، التي حصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز وهي في الـ 80 من عمرها.
فقد تزوجت في سن صغيرة وتوقفت عن التعليم في سن الثانية عشرة على الرغم حبها للتعليم والقراءة والمعرفة، لكن حلمها ظل يطاردها طيلة عقود طويلة حتى استطاعت أن تعود للتعليم وتبدأ من جديد في دراسة المرحلة الإعدادية ثم الثانوية، ومنها إلى مدرجات الجامعة ثم الحصول على درجة الماجستير من كلية الآداب قسم الاجتماع في رسالة عنوانها "أسلوب الحياة الثقافية والاجتماعية للفئات العمرية المتقدمة في ضوء قضايا النوع الاجتماعي".
اقرأ أيضا:
ما المسجد الأقصى.. ولماذا يدافع المسلمون عنه؟شغب بالتعليم لم يتوقف
تقول آمال لموقع "الحرة": "ولدت في في محافظة الدقهلية، وكنت محبة للعلوم والقراءة خاصة وأن دراستي كانت في مدرسة تعلم بنظام فرنسي، لكن عند الثانية عشرة من عمري تزوجت من رجل أحبه، وطلب مني أن أتفرغ لبيتي وله وأترك التعليم، ولأني كنت أحبه استجبت لطلبه فقد كان الرجال حينها لا يحبون أن تخرج زوجاتهم من البيت، لكن كنت أشعر أن شيئًا بداخلي يتألم بسبب ترك التعليم، ولأن زوجي كان يشعر بذلك ولمعرفته بحبي للقراءة كان طوال الوقت يحضر لي الكتب والمجلات لأقرأها في البيت ويقول لي إن التعليم ليس شرطًا للثقافة والمعرفة، مستشهدًا بالكثير من كبار الأدباء المرموقين الذين لم يتعلموا بشكل طبيعي وعلموا أنفسهم بأنفسهم".
ظل حلمها حبيس صدرها قرابة 40 عامًا حتى سافر زوجها في إعارة لدولة ليبيا عام 1981، بعد أن أنجبت 4 ابناء كلهم تعلموا في تخصصات مختلفة وحققوا مراكز علمية مختلفة، فقررت هي العودة للتعليم دون أن يعلم زوجها، فذهبت لوزارة التربية والتعليم وقدمت أوراقها القديمة وسألت عن إمكانية العودة للتعليم من جديد وبالفعل التحقت بمدرسة البنات في مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية التي تسكن فيها.
تقول: "حين عاد زوجي من السفر فوجئ بأنني عدت للتعليم لكنه لم يبد امتعاضًا ولكن أخبرني أنني لابد أن أسافر معه لأنه لم يعد يستطيع الإقامة في الغربة بمفرده، وأولادهم كبروا وأصبحوا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم".
سافرت مع زوجها ومرة أخرى تركت حلمها في مدينتها في مصر، وحين عادت بعد سنوات مع زوجها بعد انتهاء إعارته كان أولادها على مشارف الزواج فانشغلت معهم عن العودة للتعليم، وأصيبت في هذه الأثناء بمرض السرطان ودخلت مرحلة علاج طويلة استمرت 3 سنوات كللت بالشفاء.
عودة للدراسة في سن 64
في عام 2007 توفى زوجها وعاشت 4 سنوات من التيه حزنًا عليه وتذكرت في حديثها تلك الفترة قائلة: "كنت أحبه بجنون، وأعتقد أن امرأة لم تحب زوجها مثلي، لذلك عشت 4 سنوات من حياتي بعد وفاته في تيه كامل، وكان أبنائي يحاولون التخفيف عني طوال الوقت، وطلبت مني ابنتي أن أعود إلى التعليم الذي أحبه، فتذكرت زميلاتي اللاتي كن معي وكيف تقدمن في أعمالهن بعد إنهاء دراستهم وكيف أرى نفسي لا أقل عنهن.
عدت إلى الدراسة في عام 2007 ووضعت كل حياتي في التعليم حتى أنهيت دراستي في المرحلة الإعدادية بنجاح في جميع المواد ما عدا مادة الرياضيات التي لم أكن أفهمها مطلقًا ورسبت فيها مرتين، لكن في الثانوية اخترت القسم الأدبي حتى أبتعد عنها.
تكمل آمال حكايتها: "كان ذلك في عام 2011 حين بدأت المرحلة الثانوية وحصلت على نسبة نجاح 83% ودخلت كلية الآداب، وكنت أتمنى دراسة اللغة التركية لأني زرت تركيا بعد شفائي من السرطان في المرة الأولى مكافأة لي من أولادي على تحملي العلاج، وتمسكي بالأمل في الشفاء قبل أن يهاجمني السرطان مرة أخرى وأدخل في صراع معه للمرة الثانية وأنتصر عليه مجددًا بقوة إيماني وقناعتي بأن الشفاء منه صعب لكنه ليس مستحيلا.
تواصل: "لم أستطع دراسة الغة التركية التي أحببتها لكني قررت دخول قسم الاجتماع، وفوجئت بشابات صغيرات جميلات في عمر أبنائي وأصغر منهم يقومون بالتدريس بطريقة شيقة فأحببت علم الاجتماع ووجدت أنه علم يدور في فلك الحياة واحتفظت بكل محاضراتي في الكلية والدروس التي كنت أذاكرها حتى الآنحتى أنهيت دراستي الجامعية في عام 2018 وحصلت على ليسانس الآداب قسم الاجتماع بتقدير جيد مرتفع".
التقدير الذي حصلت به على الليسانس يسمح لها بالدراسة في الدراسات العليا فقدمت أوراقها وبعد إنهاء السنة التمهيدية اختارت موضوعا لرسالة الماجستير الخاصة بها وعملت عليها 3 سنوات حتى ناقشتها يوم الأحد الماضي وحصلت على الدرجة العلمية بتقدير ممتاز.
وتقول آمال إنها "لن تتوقف وستعمل على الحصول على الدكتوراة مثل أبنائها الذين حصلوا عليها في تخصصاتهم، في تعتقد أن عمرها 17 عاما وليس 80 عاما، ولا تعترف إلا بهذا العمر وتدرك قيمة ما حصلته من قراءاتها في المجالات المختلفة طيلة 65 عاما مضت لم تتوقف فيها يوما واحدا عن القراءة لمدة ساعتين على الأقل".