يتناول كثير من الناس الطعام أثناء القيام بأشياء أخرى، مثل مشاهدة التلفزيون أو العمل، وهو ما قد يكون له تأثير ضار على الوظائف الإدراكية، إذ قد يُسرّع تناول الطعام أثناء تشتت الانتباه، من تدهور الذاكرة، خاصةً لمن تزيد أعمارهم عن 40 عامًا.
وقال عالم الأعصاب، الدكتور رامون فيلاسكيز، استشاري علم الأعصاب ومستشار الأبحاث في مايند لاب برو: "معظم الناس لا يدركون أن هذا السلوك الشائع يؤثر على ذاكرتهم. إنه أمر يفعله ملايين الأشخاص عدة مرات يوميًا دون تفكير".
والعلاقة بين تناول الطعام دون وعي وتدهور الذاكرة أقوى مما يدركه معظم الناس. فعندما نتناول الطعام أثناء مشاهدة التلفزيون، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو العمل على المكتب، يصبح الدماغ في حالة تشغيل تلقائي، وفق ما ذكرت صحيفة "إكسبريس".
يوضح الدكتور فيلاسكيز: "عندما نأكل دون انتباه، نفوّت فرصةً ثمينةً لتنشيط أدمغتنا. يبدأ الهضم في الدماغ، وليس في المعدة. إن رؤية الطعام وشمّه وتوقعه تُحفّز عملياتٍ معرفيةً مهمةً تُهيئ الجسم لمعالجة العناصر الغذائية بكفاءة".
مع التقدم في السن، يصبح الدماغ أكثر عرضة للالتهابات والإجهاد التأكسدي، وكلاهما يتفاقم بسبب عادات الأكل السيئة. تشير الدراسات إلى أن تناول الطعام بتشتت الانتباه غالبًا ما يؤدي إلى استهلاك المزيد من الأطعمة المصنعة الغنية بالسكر والدهون غير الصحية، والتي يُعرف أنها تُسرّع التدهور المعرفي.
قال الدكتور فيلاسكيز: "يشكل الدماغ 2 بالمائة فقط من وزن الجسم، ولكنه يستهلك حوالي 20 بالمائة من موارد الطاقة في الجسم. إن نوعية الطاقة التي يوفرها الجسم، وكيفية توفيرها، تؤثر بشكل مباشر على الوظيفة الإدراكية، وخاصةً تكوين الذاكرة والتذكر".
ويوصي الدكتور فيلاسكيز بإجراء تعديلات صغيرة ولكن مؤثرة على عادات الأكل اليومية لحماية الذاكرة والصحة الإدراكية.
من أبسط الخطوات؛ تخصيص مساحة مخصصة للوجبات والوجبات الخفيفة. تناول الطعام على المكتب، أو أمام التلفزيون، أو الوقوف بجانب الثلاجة يشجع على الأكل المشتت ويُضعف تركيز الدماغ في هذه العملية.
يُعدّ إبطاء وتيرة تناول الطعام خطوةً أساسيةً أخرى. إذ يقترح الدكتور فيلاسكيز اتباع قاعدة العشرين دقيقة، أي تخصيص عشرين دقيقة على الأقل لإنهاء الوجبة مع المضغ الواعي والتوقف بين اللقمات.
وتشير الأبحاث إلى أن الدماغ يستغرق حوالي عشرين دقيقةً ليشعر بالشبع، لذا فإن تناول الطعام بوتيرة أبطأ لا يُساعد على الهضم فحسب، بل يُقوّي أيضًا المسارات المعرفية المرتبطة بالذاكرة.
من الممارسات الأساسية الأخرى إشراك الحواس أثناء تناول الطعام. فملاحظة الطعام - ألوانه، روائحه، وملمسه - قبل تناوله، تُحسّن وظائف الدماغ. فتحديد نكهات معينة وملاحظة كيفية تغيرها أثناء المضغ يُنشّط مناطق دماغية متعددة، مما يُساعد على تقوية الشبكات العصبية المرتبطة بالذاكرة.
من خلال إجراء تغييرات بسيطة ولكن مقصودة، يمكن للبالغين فوق سن الأربعين تحسين ذاكرتهم ووظائفهم الإدراكية، مما يضمن صحة دماغية أفضل لسنوات قادمة.