سمعت من بعض المشايخ في بلادي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجشأ كما أنه لا يتثاءب، فهل هذا صحيح؟
تبين لجنة الفتوى بإسلام ويب أنها لم تقف على نص يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل منه التجشؤ.
وتوضح أن التجشؤ: يكون عادة من الشبع الزائد، ولم يكن ذلك حال النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى البخاري (5414): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأكُلَ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ".
وتضيف: أن التجشؤ قد يكون من الشراهة في الأكل، وهذا لا شك في أنه لا يتناسب مع مقام نبوته صلى الله عليه وسلم، وما نهى عنه من الشبع البالغ، وملء البطن. فعَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ رواه الترمذي (2380)، وابن حبان "الإحسان" (2/449)، وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وقد يتجشؤ الإنسان لغير شبع؛ إما لخواء في بطنه، أو لعلة، أو لنحو ذلك.
غير أننا، مع ذلك: لم نقف على من صرح بنفي وقوع الجشاء من النبي صلى الله عليه وسلم، ممن صنف في شمائله الشريفة، أو في الخصائص النبوية. ولم نقف كذلك على من أثبته.
وبكل حال؛ فإذا قدر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد وقع منه تجشؤ، كما يقع للناس عادة؛ فإنما يكون ذلك في النادر من أحواله، ولهذا لم ينقل عنه ذلك أصلا، ولم ينقل فيه أدب عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ سوى أن أمر من وقع منه ذلك ألا يتعالن به في الناس، بل يكفه، ويكظمه ما استطاع. فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) سنن الترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه، والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير" .
وجاء في تحفة الأحوذي: "قوله: (كف عنا ) أمر مخاطب من الكف بمعنى الصرف والدفع، وفي رواية شرح السنة : أقصر من جشائك، (جشاءك) بضم الجيم ممدود، أو النهي عن الجشاء هو النهي عن الشبع ; لأنه السبب الجالب له ".انتهى من تحفة الأحوذي.
والتجشؤ بصوت مرتفع ليس محرمًا، وإنما يعد فعله خلاف الأدب، إن كان بحضرة الآخرين، حتى لا يتأذوا من الصوت والرائحة ، ويتأكد استهجان هذا العمل إذا كان في بيئة تستهجنه وتسترذل من يتعمده ، أو يتساهل فيه .
وتستطرد: أما التثاؤب، فلم يرد فيه أيضا خبر صحيح، لكن وردت مراسيل تنفي عنه صلى الله عليه وسلم التثاؤب.
فورد حديث مرسل مقيد بالصلاة.
روى ابن أبي شيبة في"المصنف"، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ الْعَبْسِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: "مَا تَثَاءَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ قَطُّ".
وورد مرسل آخر، مطلقا غير مقيد بالصلاة.
رواه البخاري في "التاريخ الكبير")، معلقا عن مسلمة بن عبد الملك.
قال البخاري رحمه الله تعالى: " يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ قَزَعَةَ، أَبُو زَكَرِيَّا، البَصْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ، مُرْسَلٌ، قَالَ: "ما تَثَاوَبَ نَبِيٌّ قَطُّ ".
ورواه الخطابي من حديث قزعة؛ لا ابنُه.
فقال رحمه الله تعالى في "أعلام الحديث" : حدثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الزِّئبَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَزَعَةُ، قَالَ: سَمِعت مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُولُ: "مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ، وَإِنَّها لَمِن عَلَامَةِ النُبُوَّةِ".
وما ورد في هذه المراسيل هو الأشبه بمقام النبوة؛ لأنه قد صح أن التثاؤب مكروه إلى الله تعالى، وأنه من الشيطان؛ وإن كان قد يقال: إن الذي من الشيطان، هو ما يكون في الصلاة، ليثبط عنها، وليس مطلق التثاؤب.
روى البخاري، ومسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد وقي من الشيطان.
روى الإمام مسلم (2814): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ.
قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"ومن الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة، والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم [ لم نقف على مرسل يزيد في "التاريخ" وإنما ورد فيه مرسل مسلمة كما سبق ذكره] ، قال: ( مَا تَثَاءَبَ النبي صلى الله عليه وسلم قَطُّ )، وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ( مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ )، ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق. ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان. " انتهى. "فتح الباري".
والخلاصة:
لم يرد نص صحيح الإسناد ينص على حصول أو عدم حصول التجشأ والتثاؤب من النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الموافق لمقام النبي صلى الله عليه وسلم وكمال زهده وخلقه، هو عدم حصول التثاؤب منه، وكذا عدم حصول التجشؤ الحاصل من الشبع، وما كان لعلة غير الشبع فلم يرد أيضا أنه حصل من النبي صلى الله عليه وسلم.