في محاولة لتحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بالطبيعة أم التنشئة، اكتشف فريق من علماء الأعصاب في الصين أن بعض الأدمغة مصممة لإظهار سلوكيات معتلة نفسيًا.
وبحثت الدراسة الأولى من نوعها، والتي نشرت في المجلة الأوروبية لعلم الأعصاب في كيفية ارتباط بنية الدماغ بين الاعتلال النفسي، وهو اضطراب نفسي يمكن تشخيصه، والأفعال في العالم الحقيقي.
وبعد تحليل مسوحات الدماغ لأكثر من 80 شخصًا أفادوا بوجود سمات نفسية معينة لديهم، على الرغم من عدم تشخيصهم رسميًا على أنهم مرضى نفسيون، وجد الباحثون أن أولئك الذين لديهم ميول أقوى نحو العدوان والاندفاع والافتقار إلى التعاطف، أظهروا اتصالًا دماغيًا هيكليًا مميزًا مقارنة بالأفراد ذوي السمات الأكثر اعتدالًا.
تعاطي المخدرات والعنف
وكانت هذه السمات المشتركة بين المصابين بالاعتلال النفسي مرتبطة بدورها بسلوكيات تشمل تعاطي المخدرات والعنف.
وتشير الأبحاث إلى أن أدمغة الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات يتم توصيلها بشكل مختلف، حيث تكون بعض المسارات مشحونة للغاية بينما تضعف مسارات أخرى، مما قد يؤدي إلى سلوكيات ضارة أو مزعجة.
مع ذلك، ليس كل من يحمل سمات اضطراب الشخصية السيكوباتية مصابًا به بالفعل. فهذه السمات موجودة ضمن طيف يُظهر فيه الأشخاص أعراضًا بدرجات متفاوتة دون تشخيص سريري أو تحول إلى العنف.
عادةً ما تدرس الأبحاث المتعلقة بالاعتلال النفسي كيفية تواصل مناطق الدماغ المختلفة مع بعضها البعض. لكن الباحثين في الدراسة الأخيرة ركزوا على الاتصال البنيوي؛ والألياف العصبية التي تربط بين المناطق المختلفة، وسلامة حزم الألياف، ومسارات المادة البيضاء الأضعف أو الأكثر سمكًا.
بدلاً من التركيز على كيفية فشل أجزاء مختلفة من الدماغ في التواصل، فإن الاتصال البنيوي يدرس سبب فشلها، وفق ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل".
اعتمد الباحثون على مسح دماغي لـ 82 شخصًا من قاعدة بيانات لايبزيج للعقل والجسم بألمانيا، وهي مستودع لبيانات التصوير العصبي المُجمّعة من بالغين.
قاموا بتوثيق السمات النفسية لكل شخص باستخدام اختبار الثالوث المظلم القصير، وهو استبيان يتكون من 27 سؤالاً يلتقط نرجسية الأشخاص، وميولهم التلاعبية، والسمات النفسية، مثل الافتقار إلى التعاطف.
كان على المشاركين تقييم أنفسهم على مقياس من خمس درجات، من واحد إلى خمسة، يختلفون بشدة. وتشير الدرجات الأعلى إلى سمات نفسية أكثر.
وبعد ذلك، قام الباحثون بتقييم سلوكيات الأشخاص باستخدام تقرير ذاتي للبالغين.
يقوم بتقييم مجموعة من الأفعال العاطفية والسلوكية، ويقيس على وجه التحديد السلوكيات العدوانية والمخالفة للقواعد والتطفلية مثل الأسئلة الشخصية غير المرغوب فيها أو تجاوز الحدود الجسدية. تشير الدرجة الأعلى إلى سلوكيات خارجية أكثر خطورة.
استخدم الباحثون، بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي الخاصة بكل شخص لرسم خريطة توضح كيفية ارتباط مناطق الدماغ المختلفة جسديًا.
السلوكيات الاندفاعية والمعادية للمجتمع
حددت الدراسة اتصالين رئيسين في الدماغ مرتبطين بالسلوكيات الاندفاعية والمعادية للمجتمع لدى الأشخاص الذين يمتلكون سمات معادية للمجتمع بناءً على إجاباتهم على الاستبيان.
وقال الباحثون إن "السمات النفسية كانت مرتبطة في المقام الأول بزيادة الاتصال البنيوي داخل المناطق الأمامية (خمس حواف) والجدارية (حافتين)".
وفي الشبكة الإيجابية، التي يتم فيها تعزيز الروابط الدماغية مع زيادة السمات النفسية، كانت الروابط الأقوى متجمعة في مناطق الدماغ التي تحكم عملية اتخاذ القرار والعاطفة والانتباه.
وشملت هذه المسارات التي تربط بين العواطف والتحكم في الانفعالات، والتي قد تفسر الخوف الشديد وانخفاض التعاطف لدى المرضى النفسيين.
كما شملت أيضًا المنطقة المعنية بالسلوك الاجتماعي، والتي يمكن أن تجعل الشخص المريض نفسيًا يفهم المشاعر ولكن لا يشعر بها.
وكان الارتباط مرتبطًا بأفعال أكثر اندفاعًا.
روابط ضعيفة في المناطق المهمة لضبط النفس والتركيز
وفي الشبكة السلبية، حيث تضعف الروابط مع السمات النفسية الأقوى، لاحظ الباحثون روابط ضعيفة في المناطق المهمة لضبط النفس والتركيز، مما أدى إلى ميل المصابين بالاعتلال النفسي إلى التركيز المفرط على أهدافهم الأنانية مع تجاهل كيفية تأثير أفعالهم على الآخرين.
ووجد الباحثون أيضًا ارتباطًا غير عادي بين المناطق المستخدمة للغة وفهم الكلمات.
وبما أن المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ماهرون في التلاعب، فإن هذا قد يشير إلى وجود أسلاك عصبية مصممة للتواصل الاستراتيجي المسيطر وليس التواصل الحقيقي.
ووجد الفريق أيضًا ارتباطًا قويًا بين مناطق الدماغ المسؤولة عن سلوك البحث عن المكافأة ومناطق اتخاذ القرار، وهو ما قد يفسر سبب سعي المصابين بالاضطراب النفسي غالبًا إلى الإشباع الفوري، حتى عندما يضر ذلك بالآخرين.
قال الدكتور جليل محمد، طبيب نفسي في المملكة المتحدة: "لا يكترث المعتلون نفسيًا بمشاعر الآخرين. في الواقع، إذا اقتربتَ يومًا من معتل نفسي لإخباره عن مشاعرك تجاه موقف ما، فسيُظهر لك بوضوح تام أنه لا يكترث على الإطلاق".
وأضاف: "لديهم حرفيًا مليون شيء يفضلون القيام به بدلاً من الاستماع إلى مشاعرك تجاه موقف ما".