بقلم |
فريق التحرير |
الاربعاء 17 ديسمبر 2025 - 07:17 م
في زمنٍ كثرت فيه الضوضاء، وتعددت فيه أسباب الجدل والخلاف، تبرز قيمة التغافل كخُلُقٍ نبيل، وميزةٍ لا يتحلى بها إلا أصحاب النفوس الكبيرة والعقول الراجحة. فليس كل ما يُقال يُرد عليه، ولا كل ما يُفعل يستحق الوقوف عنده، وهنا تتجلى عظمة التغافل وترك سفاسف الأمور.
معنى التغافل
التغافل لا يعني الضعف أو التنازل عن الحقوق، وإنما هو تجاهل مقصود لما لا يستحق الرد، وارتفاع بالنفس عن صغائر الخلافات، وحفظ للوقت والطاقة مما لا طائل منه. وقد قيل: «ليس الغبي بسيدٍ في قومه، لكن سيد قومه المتغابي».
التغافل خُلُق نبوي رفيع
كان النبي ﷺ أرقى الناس خُلُقًا، وقد ضرب أروع الأمثلة في التغافل، فكان يسمع ما يكره، فيصبر ويعفو، ويعرض عن الجاهلين، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
كما قال ﷺ: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا»، وهو توجيه نبوي واضح لترك الجدال الذي لا ثمرة منه.
ترك سفاسف الأمور دليل على رجاحة العقل
الانشغال بصغائر الأمور يستنزف النفس ويشتت الفكر، بينما تركها يمنح الإنسان سعة صدر وراحة بال. وقد قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «ما قرن شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم»، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحكمة لا الانفعال.
ثمرات التغافل في الحياة
راحة نفسية وطمأنينة قلبية.
حفظ الهيبة والكرامة.
تقوية العلاقات الاجتماعية وتخفيف حدة الخلافات.
التركيز على المهم والنافع في الدين والدنيا.
التغافل لا يناقض الحزم
يخلط بعض الناس بين التغافل والضعف، والحقيقة أن التغافل اختيار حكيم، أما السكوت عن الظلم أو التفريط في الحقوق فليس من التغافل في شيء. فالتغافل يكون فيما لا يترتب عليه ضرر، أما الحقوق فمبناها على العدل.
سفاسف الأمور.. باب ضياع الأعمار
الانشغال بالقيل والقال، وتتبع الزلات، والرد على كل إساءة، باب واسع لإضاعة الوقت وهدر الطاقات، وقد قال النبي ﷺ:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، وهو ميزان دقيق لضبط السلوك وترتيب الأولويات.
وفي الأخير إن فضل التغافل وترك سفاسف الأمور ليس خُلقًا عابرًا، بل هو منهج حياة، وسلوك راقٍ يورث صاحبه سكينة في القلب، وسموًا في الأخلاق، ورفعة في الدنيا والآخرة. فطوبى لمن ملك نفسه، وتجاوز عن الصغائر، واشتغل بما ينفعه ويرضي ربه.