لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكلف برسالة السماء إلى الأرض، من أن يمازح أصحابه، والأطفال، في رقي وإنسانية لم يبلغها كثيرون، فلم تكن حياته جامدة، ولم يكن ذا وجه عبوس، يأخذ كل حياته على محمل من الجد، الذي يجعل الناس ينفرون منه، أو يشعرون بجفاء مشاعره.
وهذا أكبر دليل على بشريته وإنسانيته، فهو لم يتميز عن أحد من الناس في ملبس أو مظهر، ولم يعش حياته بمعزل عن الناس بل كان وسطهم على الدوام، وكان يسير في الطرقات، يزور أصحابه في بيوتهم.
تواضع النبي مع الأطفال:
كان للأطفال نصيب من وقت النبي صلى الله عليه وسلم، واهتماماته، فكان يحنو عليهم، ويترفق أبهم، ويداعبهم، حتى يدخل السرور عليهم، فكان بذلك نعم المربي العظيم الذي لم تمنعه الأعباء العظيمة من أن يبتسم لطفل ويمازحه.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعًا لله تعالى، ولا يملك من يقرأ سيرته، ويطلع على أخلاقه ومواقفه إلا أن يمتلئ قلبه بمحبته، فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين.
فائدة تربوية:
ومعلوم لدى التربويين أن الاهتمام والسؤال عن الصغار، ومعرفة أخبارهم، يوجد عندهم الاعتداد بالنفس، ويساعد ذلك في تكوين شخصيتهم، وبلورتها وصقلها، وكذلك يدخل السرور والحب في نفس الطفل وأهله، ويعتبر ذلك سلوكًا تربويًا ودعويًا.
النبي والطفل عمير:
وللنبي قصة لطيفة مع "عمير"، هو أبوعمير بن أبي طلحة الأنصاري، واسمه زيد بن سهل، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، وأمهما أم سليم، وقد مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان "أبوعمير" طفل لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، وفي يوم من الأيام زار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك في بيته، فرآه الرسول وفي يده طائرًا يشبه العصفور، فقال له: يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟ فتبسم الطفل الصغير، وبعد أيام جاء الرسول إلى بيت أنس، وسأل كعادته عن الصبي الصغير، فأجابه أنس، أن عصفور أبي عمير قد مات، وأنه حزين جدًا لموت العصفور، فأقبل الرسول مسرعًا إلى الصبي الصغير، وأخذ يواسيه ويخفف عنه حزنه، بعد أن رمى بنفسه في حضن وهو يبكي ويقول: "لقد مات النُغير.. لقد مات".
تخيل ذلك المشهد الأبوي، وارسم في مخيلتك صورة ذهنية عن هذا الموقف الإنساني المؤثر بين النبي الكريم والطفل رقيق الإحساس، ولك أن تتصور وقتها كيف استقبل النبي بكاءه، وهو الرحمة المهداة لكل البشر، فما بالك بالأطفال، وهو الذي ولد يتيمًا، وماتت أمه وهو لا يزال طفلاً صغيرًا، فهو يدرك عن غيره أهمية الرحمة والشفقة بالأطفال والعطف عليهم.
اقرأ أيضا:
آخر من يدخل الجنة.. النبي يضحك من حواره مع رب العالميناحذر هذا الخطأ:
مشاعر يفتقدها كثير من الآباء في هذا الزمن، تأخذهم مشاغل الحياة عن مداعبة أطفالهم والسؤال عن أحوالهم، وكثيرون يظنون أن الأموال هي التي يمكن أن تجلب السعادة للأطفال، وهذا من الخطأ، لأن الطفل لديه مشاعر أرق من الكبار، هو يريد من أبيه أن يظهر حبه له في كل المواقف، وأن يسأله عن تفاصيل دقيقة، وألا يشعر بأنه مجرد كم مهمل.
اسأل نفسك، متى كانت آخر مرة داعبت فيها طفلك، منذ متى لم تلاعبه، أو وضعت يدك على رأسه وقبلته في وجهه، أو أخذته إلى مكان خارج البيت للترفيه عنه، الأطفال لا يعبأون بظروف الآباء، وانشغالهم لساعات طويلة بعيدًا عنهم، بقدر انشغالهم بضرورة الاهتمام بهم والسؤال عنهم و""الطبطبة" عليهم.
في مقطع فيديو مؤثر جرى تداوله على موقع "يوتيوب" ظهرت طفلة صغيرة وهي تودع أباه الذي يعمل خارج البلاد، وتقول له بتلقائية شديدة: "قل للشغل بنتي الصغيرة زعلانة"، قالتها وهي لم تستطع أن تغالب دموعها، لأن أباها سيكون بعيدًا عنها، ولن ترتمي في أحضانه كما تحب وتتمنى.
مهما كانت مشاغلك، وضغوط وأعباء الحياة، اقتطع وقتًا لأولادك يسمح لك بأن تكون قريبًا منهم، صادقهم، اسألهم عن أصحابهم، العب معهم، لا مانع في أن تعود طفلاً صغيرًا معهم، وهذا ليس مما يقلل من شأنك، ولا يسيء إلى صورتك، فمن لا يرحم لا يُرحم، والرحمة بالأطفال أوجب، لا تقسوا حتى لا يخرج أطفالكم قساة جبابرة.