الغش وخداع المشاعر لاشك أشد خطرًا من غش الأموال. فتعويض المال ميسور، لكن تعويض المشاعر أمر عسير.
يقول المولى عز وجل محذرًا من خطر ما ينطق به اللسان بالقول: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (ق: 18)، ذلك أن ما يقوله المرء لاشك يكتب فإما له أو عليه.
فعلى كل إنسان أن يحفظ لسانه، وألا يخدع الناس، لأن الله تعالى لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه».
والله عز وجل ونبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم يحذران جل التحذير من الكذب، لأنه يخفي حقيقة ما يبطنه الإنسان، ويزيف العلاقات بين الناس، فما بالنا بالزيف والكذب بالمشاعر؟.
يقول عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»،
والتلاعب بالألفاظ من آفات اللسان، لذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان وتقول: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».
فيا شباب الأمة، يا شباب أمة محمد خير الخلق صلى الله عليه وسلم، تحلوا بالأخلاق الطيبة، وابتعدوا كل البعد عن كل ما يؤذي الناس، خصوصًا المشاعر، ولا تتلاعبوا بمشاعر الفتيات فإنكم مسئولون ومحاسبون أمام الله عن ذلك.
يقول عليه الصلاة والسلام: «اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وأوفوا إذا وعدتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم»، إن الله سائلكم عما تقولون، ومحاسبكم على ما تعملون، فأعدوا للسؤال جوابًا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
اظهار أخبار متعلقة
الإفتاء: التلاعب بمشاعر المرأة جريمة
قال الدكتور خالد عمران- أمين الفتوى بدار الإفتاء- إن التلاعب بمشاعر المرأة جريمة ونذالة، كمن يخطب فتاة ثم يهرب ويختفي دون سابق إنذار، وأرجع ذلك إلى غياب التدين والأخلاق والإنسانية بين الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكسر خاطر امرأة يومًا بل كانت معاملته للمرأة معاملة خاصة كلها رقي.
وأضاف عمران في برنامج تليفزيوني، أن القرآن كرر كثيرًا جبر خاطر المرأة في قصة مريم وأم موسى وأم مريم وقصة زوجة فرعون، وعليه فإن من كان يحب رسول الله ومن لديه أخلاق لا يكسر خاطر امرأة، فجبر الخواطر أجره عند الله، وكسرها يغضب الله.
وأوضح أمين الفتوى أن كسر خاطر المرأة أمر عظيم عند الله، لأن الإنسان عند الله عظيم، خاصة إذا كان في محل رحمة الله سبحانه وتعالى، لذا عندما كُسر خاطر السيدة عائشة في حادثة الإفك أنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، فإذا كسرت خاطر أي إنسان خاصة المرأة يكون صدق فيك قول الله تعالى وتحسبونه هينًا.
وعن تساءل حول علاقة الظلم بجبر الخاطر بيَّن عمران أن جبر خاطر المرأة من تقوى الله عز وجل، إذا أحبها المرء أكرمها، وإذا كرهها لم يظلمها، وكسر الخاطر ظلم، لأن فيه عنف، والعنف لا يكون في شيء إلا شانه كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأشار عمران إلى أن أم موسى عليه السلام كانت نموذجًا كبيرًا لامرأة جبر الله خاطرها في ابنها بعدما أظهرت له سبحانه وتعالى الرضا التام، وهذا أحد أسرار جبر الله تعالى لخاطر العباد، فكان نتيجة صبرها وامتثالها لأمر الله وتصديقها لقوله، وتلبيتها للأمر الإلهي في قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
فكانت النتيجة في النهاية بعدما ألقت سيدنا موسى في اليم أعاده الله إليها وأصبحت مرضعة له، يقول تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
ووجه الشيخ خالد عمران حديثه للنساء قائلًا: «جبر الخواطر مرهون بالصبر، وأنتن أقرب شعورًا وتلمسًا للحقائق الإلهية، فالذي يفتح قلبه لنفحات الله سبحانه وتعالى سيجبر قلبه».
ووجه عمران نصيحة للأزواج قائلًا: «اجبروا بخاطر النساء بالكلام الطيب الجميل، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان يؤمن بالله فليقل خيرًا أو ليصمت، وينبغي أن تراعي في كلامك مع زوجتك الأسلوب الحسن، لأنه من الذكاء الاجتماعي أن يختار الإنسان كلامه جيدًا وهو الأولى مع الزوجة، فيرصد مظاهر الجمال والإيجابية والناجحة في زوجته ليجبر خاطرها ويتودد إليها»، وكذلك الزوجة مع زوجها حتى يسود الود بينهما لأن ما يصلح الحياة هو أن نظهر الجانب المضيء.
اقرأ أيضا:
ليس للنوم فقط.. أفضل طريقة للاستمتاع بيوم الإجازةعلاقات الحب
رصد الدكتور عمرو خالد الداعية الإسلامي، 7 قيم للحب والزواج في المدينة المنورة كدليل على أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم تكن جامدة خالية من المشاعر الإنسانية، تتلخص في الحروب والمعارك والإدارة والقيادة.
وفي برنامجه "السيرة حياة"، قال خالد إن الحب الصادق، هو الحب الذي يبني، ويملأ الإنسان بالخير، والذي يجعل صاحبه قريبًا من الله ومن أهله ومن نفسه، هو الذي يتحول إلى نجاح وبناء وتعمير، وليس ذلك الحب الكاذب الذي يدعو إلى العقوق ومعصية الخالق.
وضرب مثلاً على تقدير مشاعر الحب بقصة زواج السيدة فاطمة ابنة النبي من علي بن أبي طالب، إذ إنه "تقدم لها أكثر من شخص، منهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، لكن النبي يعلم ميلها لعلي، لكنه لم يتقدم".
وأضاف: "بدأ الأنصار يقولون لعلي سبقك الكثير، فلماذا لم تتقدم لها؟ فقال: ليس عندي شيء، قالوا: ولكن رسول الله يحبك، فذهب للنبي وجلس أمامه دون أن ينطق.. فسأله: لم تسكت؟، لم يجب، فبادره النبي: لعلك جئت تطلب فاطمة؟، قال: نعم، فقال له: هل معك شيء تتزوجها به؟، فقال: لا يا رسول الله، فقال أليس عندك درع؟، فقال نعم، ولكنه لا يساوي إلا 400 درهم، فقال النبي: زوجتك به، فرد علي: قد دفعت المهر فمتى نتزوج؟، فأجابه النبي: اليوم لو شئت، وتم الزفاف".
وذكر أنه "كانت هناك قصة حب شهيرة شبيهة بقصة قيس وليلى، لحبيبين ماتا قبل الإسلام بمكة، وهما: عروة وعفراء، أحبا بعض لكن الأهل رفضوا، رق عمر قلبه، وقال: "لو أدركتُ عُروة وعفراء لجمعتُ بينهما، وزوجتها وشهدت زواجهما".
واستشهد خالد بقصة وردت في صحيح البخاري لمغيث وبريرة، إذ كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث، كان يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، لم يلمه أحد على مشاعره، بل إن النبي اهتز للمشهد، وتحرك للشفاعة من أجل الحب، فقال للعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا، فقال النبي لو راجعته، قالت: "يا رسول الله تأمرني، قال إنما أنا أشفع قالت لا حاجة لي فيه".
ومن القيم التي تحدث عنها خالد: "الطيبون للطيبات والطيبات للطيبين"، إذ قال خالد: "إن ذلك ليس معناها أن الطيب يتزوج طيبة، لأن الواقع أحيانًا يكون عكس ذلك، لكن معناها: أيها الطيب ابحث عن الطيبة، وأيتها طيبة ابحثي عن الطيب"، مضيفًا: "الحب ضرورة لكن اختار الطيبة يأتي قبل الحب، وهذا لا علاقة له بمسألة التوبة، لأنها لو تابت ربنا سيرزقها الله بمن هو أفضل من مرثد".
وشدد كذلك على ضرورة ضبط العواطف بالأخلاق، وذلك "عندما لا نكون غير قادرين على تحويل الحب لزواج، أو الظروف تمنعنا من إعلان الحب، إما لصغر السن، أو لظروف مالية، فهنا يكون من الضروري ضبط المشاعر، فلو أحب شخصًا فتاة وتزوجت من آخر، وجب عليها أن ينسحب من حياتها وألا يتصل بها، النبي يقول: "يرفع يوم القيامة لكل غادر لواء مكتوب عليه هذه غدرة فلان".
ودعا إلى من لم يستطع أن يتزوج بمن يحب أن يحتفظ بمشاعر الحب بداخله، تطبيقًا لأمر النبي: "من أحب فعف فكتم فمات فهو شهيد"، وفي رواية: "من أحب وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة".
وتوجه خالد بالنصح للشباب والفتيات في مرحلة الثانوي بألا يدخلوا في علاقات في هذه السن، "لأنهم لم ينضجوا بعد، وغالبًا العلاقات من هذا النوع لا تكلل بالزواج، ويؤدي ذلك إلى انكسار القلب، ومع تكرار هذا العلاقات يقسو قلب الفتاة من كثرة التجارب الفاشلة، حتى إذا وصلت إلى مرحلة الزواج، لا تستطيع أن تحب زوجها".
وأشار إلى أن النبي حذر الشباب من التحرش بالنساء، وجعل العقوبة الحرمان من لقائه، كما في قصة "صاحب الجذيبة"، فقد جاء وفد يبايعه، بينهم شاب لم يعرف عن الإسلام شيئًا، جاءوا ليلاً، وبينهما هم يبحون عن مكان يبيتون فيه، مرت جارية فجذب الشاب طرف ثوبها.
وفي اليوم التالي ذهب الوفد إلى النبي لمبايعته، ففرح للقياهم ومد لهم يده، إلى أن ظهر هذا الشاب فأحمر وجه النبي وقال له: ألست أنت صاحب الجذيبة، قال: نعم، قال له: والله لا أبايعك وأعطاه ظهره، فاعتذر الشاب للنبي، وقال له: لقد تبت، فتبسم النبي ومد يده لمصافحته، وقال له: مد يدي إذًا لأبايعك.
وضرب خالد مثلاً على قيمة الحفاظ على البيوت من الانهيار، عندما كانت السيدة زينب متزوجة من أبو العاص بن الربيعة، ابن خالتها، وأنجبت منه "علي" و "أمامة"، انفصلت عنه بسبب اختلاف العقيدة، ومن ثم هاجرت إلى المدينة. وأشار إلى أنه بعدما طلقها زوجها بطلب من النبي، ظلت زينب دون زواج لمدة 6 سنوات، رفضت كل من تقدم لخطبتها، حتى عادت إلى عصمة زوجها بعد إسلامه، واصفًا الواقعة بأنها تحمل قيمة عظيمة في المحافظة على البيوت، وبعد سنة من رجوعهما إلى بعض، ماتت زينب، فبكاها بكاءً شديدًا حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه، فيقول له: والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب، ليلحق بها بعد سنة من موتها، حبًا وحزنًا عليها.
وتحدث خالد عن الأحلام المشتركة كضرورة بين الزوجين، ضاربًا المثل بما حدث يوم فتح مكة، نصب المسلمون خيمة عند قبر خديجة لتشهد انتصار النبي كما شهدت أحزانه، لأنه كانت بينهما أحلام جميلة عاشا ينفذانها، وهذه كلمة السر في السعادة الزوجية.