تحقق للصديق أبي بكر رضي الله عنه الكثير من الأمور التي لم تتحقق لأحد قبله من الخلفاء، وما من خليفة إلا كان له المنة على ابنه، إلا إأبا بكر، فقد أسلم أبوه على يديه، كما أنه لم يوجد خليفة تولى ابنه الخلافة قبله إلا هو.
وفي تفاصيل قصة إسلام أبي قحافة عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق، أنه لما كان عام الفتح، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له، وكانت من أصغر ولده: يا بنية، أشرفي بي على جبل أبي قبيس- وقد كف بصره- فأشرفت به عليه.
فقال: أي بنية ماذا ترين، قالت: أرى سوادًا مجتمعًا كثيراً، وأرى رجلا يشتد بين ذلك السواد مقبلاً ومدبرًا.
ثم قال: ماذا ترين؟ قالت: أرى السواد قد انتشر وتفرق، فقال: والله إذن انتشرت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فخرجت سريعًا حتى إذا هبطت به لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتلعه إنسان من عنقها.
وروي أن بعض المسلمين رمى أبا قحافة فشجّه، وأخذت قلادة أسماء ابنته، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي، فمسح الدم عن وجهه.
فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد، خرج أبو بكر بأبيه- رضي الله عنهما- يقوده، وكان رأس أبي قحافة اشتعل بياضًا، فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه".
فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه
، فأجلسه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صدره.
وقال: أسلم تسلم، فأسلم، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي، فو الله ما جاء به أحد، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخية، احتسبي طوقك، فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل.
وحكى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- هو من أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما وقف به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: غيروه – أي شعره الأبيض- ولا تقربوه سوادا.
وقد قيل إن أول من خضب شعره في الإسلام، هو والد أبي بكر بعد إسلامه.
إسلام زوجة أبي بكر الصديق:
"زوجي لا يصلي" هكذا استهلت إحدى متابعات الداعية عمرو خالد، سؤالها إليه، واستدركت قائلة إنه على الرغم من ذلك فهو طيب ويحبها كثيرا لكنها في نفس الوقت لا تستطيع تخيل الحياة مع شخص لا يصلي.
أجاب عمرو خالد عبر فيديو نشره على قناته على يوتيوب قائلًا إن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن علمنا العيشة الرحيمة تؤدي للهداية، وقال إنه من الصعب للغاية أن توجه المرأة زوجها فلا يتحمل الرجل هذا الأمر، لكنه قال: "لا أنصحك بالطلاق ويتفرق الأولاد بين الأب والأم لأن الزوج لا يصلي"، وذكر عمرو خالد مثالًا لـ "العيشة الرحيمة" بـ زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أم رومان، فقد كان أبو بكر أول من أسلم من الرجال ورغم ذلك لم تسلم زوجته، وظلت على الشرك لمدة ثلاثة عشر عامًا في مكة، وكل أبنائها مسلمون إلا واحدا، ولم تسلم إلا بعد الهجرة بعامين وهاجرت إلى المدينة.
لذا نصح عمرو خالد السائلة ألا تترك الزوجة زوجها وأن تصبر عليه وأن تحنو عليه وتأخذ بيده وتحببه في الإيمان بشكل غير مباشر لأنه لن يسمع كثيرًا لها إذا ظلت تتحدث معه بشكل مباشر عن الصلاة.
زوجة الشهداء وأبي بكر
هي صحابية تميزت بأدبها وحسن خلقها وجمالها ، ووهي مناقب جعلت الكثير من الشباب يتقدم لزواجها ، ولأن الله عزوجل ميزها بأن كل من يتزوجها ينال الشهادة ، فقد جعل كل مشتاق للشهادة يتهافت عليها ويتقدم للزواج منها ، وقد كانت في غاية الإخلاص لدينها ولربها ولكل من تزوجها .
إنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وهي أخت سيدنا سعيد بن زيد زوج السيدة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم أجمعين ..توفي والدها قبل بعثة الرسول صلّ الله عليه وسلم ، ولكنه دخل الجنة فقد كان من الموحدين على ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وقد رآه الرسول صلّ الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج بالجنة .
الصحابية عاتكة بن زيد بن عمرو سليلة أسرة عريقة في الإسلام فهي شقيقة الصحابي الجليل سعيد بن زيد الذي بشره الرسول بالجنة وابنة عمر فاروق الأمة عمر بن الخطاب كانت من أوائل من أسلموا هي وأخوها سعيد بن زيد ، وقد كانت رحمة الله عليها شاعرة فصيحة تتسم بجمال شديدة وعفة قلما تتكرر .
الصحابية الجليلة اشتهرت بين المسلمين بأنها زوجة الشهداء ، حتى قال عنها عبدالله بن عمر : "من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة" ، ولقد بدأت قصة زواجها وهي في مرحلة الشباب فتهافت عليها الشباب يطلبون زواجها ، ومن بينهم.
كان ابن سيدنا أبي بكر الصديق وهو عبدالله رضي الله عنه ، فتقدم لها ووافقت على الزواج منه وبدأت حياتهم وهم في غاية السعادة ، فقد كان عبدالله بن أبي بكر مشغولًا بها كثيرًا عن أداء باقي أعماله من التجارة وأمور الحرب وغيرها .
سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مر في أحد الأيام علي نجله عبدالله يريد أن يصحبه إلى الصلاة ، ولكنه سمعه يحدث زوجته بكلام جميل معسول فتركه وذهب ليصلي ، وعندما عاد سيدنا أبي بكر وجده على نفس الحال ، فناداه وقال يا عبدالله أصليت جماعة ؟
عبدالله رد علي والده الصديق متسائلا : أو صلى الناس ؟ فقال سيدنا أبي بكر نعم ؟ لقد شغلتك عاتكة عن الصلاة والتجارة والمعاش يا عبدالله فطلقها ، ولأن عبدالله لم يستطع أن يخالف والده طلقها ، لأنه أدرك مدى تقصيره في حق الله وفي تأدية واجباته ، ولكنه ظل متعلقًا بها وهي أيضًا ندمت لأنها كانت سببا في انشغال زوجها عن طاعة الله عزوجل .
ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد ففي ساعة متأخرة من ليل سمع سيدنا أبي بكر ابنه عبدالله يقول أبياتًا من الشعر تعبرعن ندمه لطلاق عاتكة ، فآمرة سيدنا أبي بكرأن يردها ، فطار عبدالله فرحًا وعاد إليها يراجعها ، وبالفعل راجعها ووهبها حديقة بشرط الأ تتزوج بعده أحدا ، واستمرت الحياة بينهم في غاية السعادة ، ولكن لم تدم طويلًا فقد استشهد عبدالله في إحدى المعارك وقالت فيه عاتكة شعرًا .
عاتكة استمرت في عبادة ربها تبتعد عن الناس وتتذكر أيامها السعيدة مع زوجها السابق عبد الله ، ولكن بعد فترة تقدم إليها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنة وأرضاه ، ولكنها أخبرته بشرط زوجها السابق عبد الله واستفتت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأخبرها أن ترد الحديقة التي أهداها لها عبد الله بن أبي بكر مقابل عدم زواجها بعده إلى أهله ،
وبعد ذلك تزوجت سيدنا عمر بن الخطاب ، وقد رزقها الله عز وجل منه عياض وقد كانت عابدة مخلصة لدينها ولزوجها .
الأمور لم تسر في مسارها الطبيعي ولكن علي العكس جرت الرياح بما لا تشتهي السفن فلم يمروقت طويل حتي طعن سيدنا عمر بن الخطاب على يدي أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر فتنتقل روحه إلى بارئها ، وتحزن عليه عاتكة حزنًا شديدًا وتبكي على فراقه وهي تقول الشعر :
فجعني فيروز لا در درة ** بأبيض تال للكتاب منيب
رءوف على الأدنى غليظ على العدا ** أخي ثقة في النائبات مجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله ** سريع إلى الخيرات غير قطوب
عين جودي بعبرة ونحيب *** لا تملي على الإمام النجيب
عقب استشهادسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظلت فترة طويلة لا تخرج من بيتها إلا للصلاة بالمسجد ، وعندما انقضت أيام العدة تقدم لها الزبير بن العوام ولم تكن تريد الزواج ، ولكن ألح عليها الزبير بن العوام وبالفعل تم الزواج وقد كان غيورًا جدًا عليها ، حتى أنه كان يغار عليها إذا ذهبت إلى الصلاة بالمسجد .
ومرت الأيام بينهم هانئة إلى أن قتل زوجها الزبير بن العوام أيضًا بعد أن اغتاله عمرو بن الجرموز ، فبكت عليه حزنًا وقالت فيه شعرًا :
غدر ابن جرموز بفارس بهمـة **يوم اللقا و كان غير معـرد
شلـت يمينك إن قتلت لمسلما **حلت عليك عقوبة المستشـهد
وبعد انقضاء عدتها جاءها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد زواجها ، فقالت له إني لا أضن بك يا ابن عم رسول الله عن القتل ، فعاد علي عن طلبه وبعد ذلك تزوجها سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد كانت رفيقة كفاحه ورحلت معه إلى الكوفة وصبرت صبرًا جميلاً ، إلى أن قتل سيدنا الحسين بكربلاء وكانت أول من رفع خده من على التراب ولعنت قاتله وقالت فيه شعرًا :
وحسيناً. فلا نسيت حسينا * أقصــدته أسنة الأعــداء
غــادروه بكربلاء صريعاً جادت المزن في ذرى كربلاء
سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه كان أخر زوجً لها ، وبعدها بفترة توفيت الصحابية الجليلة سنة 40 للهجرة ، بعد أن تزوجت خيار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، ونالوا جميعًا بدخولهم حياتها الشهادة ، فرحم الله المرأة العابدة عاتكة العدوية.