عقب مأساة بعث الرجيع، والتي قتل فيها حوالي 12
صحابيا، وأسر البعض، حيث تم تسليمهم لقريش، والتي كانت تنتظر أن تشفي غيظها من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قررت تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وقد ظهرت لهؤلاء الصحابة كرامات في الساعات الأخيرة سجلتها كتب السيرة، التي تدل على مدى تغلغل الإيمان في قلوبهم.
وكان صفوان بن أمية، وأسلم بعد ذلك قد اشترى الصحابي زيد بن الدثنة والذي وقع أسيرا، ليقتله بأبيه أمية بن خلف وحبسه عند ناس من بني جمح ويقال عند نسطاس غلامه.
فلما انسلخت الأشهر الحرم بعثه صفوان مع غلامه نسطاس إلى التنعيم وأخرجه من الحرم ليقتله.
واجتمع رهط من قريش، منهم أبو سفيان بن حرب، فقال أبو سفيان حين قُدّم ليقتل: " أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟".
قال: "والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي".
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهافقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
أما الصحابي خبيب بن عدي فقد حدثت له العديد من الكرامات ، حيث كان اشترك في شرائه من الاسر ليقتل كل من : ( أبي إهاب بن عزيز، وعكرمة بن أبي جهل، والأخنس بن شريق ، وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وصفوان بن أمية وبنو الحضرمي)، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر.
فجلس خبيب في بيت امرأة يقال لها ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب، وأسلمت بعد ذلك فأساؤوا إساءة، فقال لهم: «ما يصنع القوم الكرام هنا بأسيرهم» فأحسنوا إليه بعد.
وقد سألوا خبيب: «ألك حاجة؟» فقال: «نعم لا تسقوني إلا العذاب ولا تطعموني ما ذبح على النصب وتخبروني إذا أرادوا قتلى» .
وحكت عن المرأة التي كان اسيرا في بيتها: «ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله تعالى خبيبا» .
وقالت ماوية: «اطلعت عليه من ثقب في الباب وإنه لفي الحديد وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في أرض الله تعالى عنبا يؤكل» .
وكان خبيب يتهجد بالقرآن فكان يسمعه النساء فيبكين ويرفقن عليه، فلما انسلخت الأشهر الحرم، وأجمعوا على قتله قالت ماوية : «فأتيته فأخبرته فو الله ما اكترث بذلك» .
وقال: «ابعثني بحديدة أستصلح بها» - يعني استخدامه للاستحداد وسنن الفطرة .
قالت: فبعثت إليه بشفرة مع غلام يقال له أبي حسين بن الحارث.
فلما ولى الغلام قلت: «والله أدرك الرجل ثأره، أي شيء صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الشفرة، فيقتله ويقول: رجل برجل».
فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: «لعمرك أما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة؟» ثم خلى سبيله.
فقلت: «يا خبيب إنما أمنتك بأمانة الله» فقال خبيب: «ما كنت لأقتله وما نستحل في ديننا الغدر» .
وقد ذكر أن زيدا وخبيبا قتلا في يوم واحد وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول: «وعليكما السلام» .